عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١) وغير ذلك.
البحث الثالث : في المادة والصورة على وجه مختص (٢)
قالوا : يدلّ على تركيب (٣) الجسم من المادة والصورة أنّه متّصل في نفسه وقابل للانفصال ، ويستحيل أن يكون القابل هو الاتّصال نفسه ، لأنّ الشيء لا يقبل عدمه ، فلا بدّ للاتّصال من محلّ يقبل الانفصال والاتصال ، وذلك هو الهيولى ، والاتصال هو الصورة.
قالوا : والصورة لا تنفكّ عن المادة ، لأنّه على تقدير انفكاكها لا بدّ لها من التناهي والتشكّل ، لما يأتي من تناهي الامتدادات الجسمية ، وكل متناه متشكّل ، فالموجب لهما حينئذ ليس هو الجسمية العامة ، ولا شيء من لوازمها ، ولا تساوي الجزء الكل فيهما ، لاشتراكهما في الصورة الجسمية الموجبة لذلك فرضا ، ولا الفاعل وإلّا لاستقلّت الصورة بالانفعال ، أي قبول التناهي والتشكّل ، إذ لا يمكن حصولهما إلّا بعد كونهما مباينة للانفعال ويكون فيها قوة الفصل والوصل ، وقد تقدم بطلانه.
وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة بقي أن يكون الموجب أمرا آخر هو الحامل لما فيه الصفات ، قالوا : ولا بدّ من صورة أخرى نوعية وإلّا لما اختلفت الأجسام في الهيئات والأمكنة والكيفيات والأوضاع الطبيعية والتشكّل والتفكّك بسهولة وعدمها ، وهذا الكلام كلّه بناء منهم على نفي الجوهر الفرد وعدم استناد الآثار إلى الفاعل المختار ، وسيأتيك إن شاء الله تعالى بيان ذلك مع كلام يرد عليه إيرادات هي بالمطوّلات أشبه.
__________________
ـ سبيله ، ولا يتوهم اختصاصها بالشهداء فإنّه توهّم فاسد كما يأتي بيان عدم الاختصاص فيما يأتي من تعاليقنا على الكتاب في المباحث الآتية.
(١) آل عمران ٣ : ١٦٩.
(٢) مختصر ـ خ : (د).
(٣) تركب ـ خ : (آ).