حيث الأجزاء ، كانت جميع النقط المفروضة عليها متساوية وجميع الدوائر عليها متشابهة ، فاختصاص نقطتين معتبرتين بالقطبية دون سائر النقاط مع استوائها في الطبيعة ، وكذا اختصاص كون حركة فلك الأفلاك من الشرق إلى الغرب دون العكس ، بلا مخصّص ولا مرجّح ؛ لأنّ المصلحة والعناية الإلهية مقتضية لأصل وجود حركة الفلك المحدث لليل والنهار ، ومن المعلوم أنّه لا يتفاوت الأمر فيه بين كون الحركة من الشرق إلى الغرب أو بالعكس ، وليس هذا ترجيحا بلا مرجّح ؛ لما عرفت من أنّ وجود المرجّح ، أي الفائدة المخرجة للفعل عن العبثية في نوعه كاف ، ولا يجوز على الحكيم تفويت المصلحة النوعية ؛ نظرا إلى عدم وجود المرجّح في الشخص قطعا ، وهذا ظاهر لا سترة فيه إذا عرفت هذا فنقول :
أمّا الدليل العقلي على الجواز فلأنّ المؤاخذة على التمرّد والعصيان حقّه تعالى ، فله أن يسقطه تفضّلا عن قوم وإنسان دون إنسان فلا ميل ولا محاباة ، وهو عادل في تعذيب من يعذّبه ومتفضّل على من يعفو عنه ويغفر له ، وليس يمنع العقل ولا الشرع من الفضل والعدل ، وفي الدعاء : «اللهمّ عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك» ولا يلزم ترجيح بلا مرجّح لما ذكرنا في المقدّمة الثانية ، وهذا نظير أن يكون على المكلّف صاع واحد من الفطرة والفقراء المستحقّون المتساوون في الحاجة والاستحقاق ألف نفر أو يزيدون ، فهل يمنع المكلّف عن دفعه لواحد منهم عدم وجود مرجّح في الأفراد ، وكذا إذا كنت تطلب شخصين ولك على كلّ واحد منهما مائة دينار ، فوددت الإحسان واظهار التفضّل فأسقطت حقّك عن أحدهما وطالبت الآخر به ، فهل ترى أنّك ارتكبت القبيح في إحسانك وتفضّلك لأحدهما وعدلك على الآخر في مطالبة حقّك؟. كلّا ثمّ كلّا.
وأمّا الدليل النقلي فقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فالتفصيل قاطع للشركة ، ففي الآية المباركة لما نفى غفران الشرك ولم ينفه على كلّ حال بل نفى أن يغفر من دون توبة ؛ لقيام الإجماع على غفران الشرك مع التوبة ، فيجب أن يكون المراد بقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أنّه يغفر بدون توبة