استندت إلى قبح خلف الوعد عقلا ، وإلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) فصحيحة لا مناص عنها ، وإن استندت إلى الوجوب عليه في نفسه فلا برهان يدعمها من العقل والنقل.
ج) أنّ التوبة إلى الله والرجوع عن معصيته بالطاعة والندم ، ممّا استقل بوجوبها العقل ودلّ عليها النقل من الآيات والروايات ، فهي إحدى الواجبات التي لا بدّ للمكلّف منها ، ولا يجب على الله قبولها إلّا من جهة وعده بقبول توبة كلّ تائب بنصّ الآيات الكريمة والسنة المتواترة ، ولا يخصّ هذا معصية بل يعمّ جميع المعاصي حتّى الشرك ؛ إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ويدلّنا على ذلك ـ مضافا إلى الآيات والروايات ـ سيرة النبيّ الأكرمصلىاللهعليهوآله فإنّه كان يدعو المشركين إلى الإسلام ويعدهم بالغفران ، فلو لم تكن التوبة مقبولة في حقّ المشرك لم تكن الدعوة مؤثّرة.
د) أنّ التوبة التي تحطم الذنوب إنّما هي التوبة حال الاختيار ، وأمّا بعد تمامية الأجل وظهور أمارات الموت فلا أثر لها ، كما هو مفاد قوله عزّ من قائل : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) فوعد الله تعالى بقبول التوبة إنّما هو في غير هذه الصورة.
ه) أنّ العفو عن الذنب ولو بدون توبة لا مانع من أن يصدر منه سبحانه لمن يشاء ، من غير فرق بين الصغيرة والكبيرة بل بين الكفر وغيره ؛ إذ لا رادّ لحكمه ولا مبدّل لكلماته ، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
نعم ، قد ثبت أنّ أفعاله كأحكامه تابعة للمصالح ، فالتخصيص ببعض دون بعض لا بدّ وأن يكون لمخصّص ، وهو قد يكون شفاعة نبي له أو وصي أو مؤمن كما في كثير من الروايات المتظافرة ، وقد يكون لصدور فعل محبوب إليه يوجب غفران ذنبه كتخليص المؤمنين من أيدي الظلمة ، وقد يكون من جهة ملكة نفسانية حسنة كالسخاء ونحوه.