قال الشيخ الطبرسي (ره) : إنّ الله لا يغفر أن يشرك به أحد ، ولا يغفر ذنب الشرك لأحد ويغفر ما دونه من الذنوب لمن يريد ، قال المحقّقون : هذه الآية أرجى آية في القرآن ؛ لأنّ فيها إدخال ما دون الشرك من جميع المعاصي في مشيئة الغفران ، وقف الله المؤمنين الموحّدين بهذه الآية بين الخوف والرجاء وبين العدل والفضل ، وذلك صفة المؤمن ؛ ولذلك قال الصادق عليهالسلام : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» ويؤيّده قوله سبحانه : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) وروي عن ابن عباس أنّه قال : ثمان آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ، قوله سبحانه : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) و (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) في الموضعين (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ)
وبيان وجه الاستدلال بهذه الآية على أنّ الله تعالى يغفر الذنوب من غير توبة : أنّه نفى غفران الشرك ولم ينف غفرانه على كلّ حال ، بل نفى أن يغفر من غير توبة ؛ لأنّ الأمّة أجمعت على أنّ الله يغفره بالتوبة وإن كان الغفران مع التوبة عند المعتزلة على وجه الوجوب وعندنا على وجه التفضل ، فعلى هذا يجب أن يكون المراد بقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أنّه يغفر ما دون الشرك من الذنوب بغير توبة لمن يشاء من المذنبين غير الكافرين ؛ وإنّما قلنا ذلك لأنّ موضوع الكلام الذي يدخله النفي والإثبات وينضمّ إليه الأعلى والأدون أن يخالف الثاني الأوّل ، ألا ترى أنّه لا يحسن أن يقول الرجل : أنا لا أدخل على الأمير إلّا إذا دعاني وأدخل على من دونه إذا دعاني ، وإنّما يكون الكلام مفيدا إذا قال : وأدخل على من دونه وإن لم يدعني ...
ولا معنى لقول من يقول من المعتزلة : إنّ في حمل الآية على ظاهرها وإدخال ما دون الشرك في المشيئة إغراء على المعصية ؛ لأنّ الإغراء إنّما يحصل بالقطع على الغفران ، فأمّا إذا كان الغفران متعلّقا بالمشيئة فلا إغراء فيه ، بل يكون العبد به واقفا بين الخوف والرجاء على الصفة التي وصف الله بها عباده المرتضين في قوله تعالى :