وهذا يدلّ على أنّ الصحابة كانت تقول بما نذهب إليه من جواز العفو عن فسّاق أهل الملّة من غير توبة ، بخلاف ما ذهب إليه أصحاب الوعيد من المعتزلة والخوارج وغيرهم(١).
وقال المحقّق الطوسي (ره) : والعفو واقع ؛ لأنّه حقّه تعالى فجاز إسقاطه ، ولا ضرر عليه في تركه مع ضرر النازل به فحسن إسقاطه ، ولأنّه إحسان ، وقال في الشفاعة : والإجماع على الشفاعة أنّها واقعة لزيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب وللمذنبين في إسقاط عقابهم. ثمّ بيّن قدسسره أنّ الشفاعة بالمعنى الثاني ـ أعني إسقاط المضار ـ ثابتة للنبيصلىاللهعليهوآله لقوله صلىاللهعليهوآله : ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي (٢).
وقال العلّامة قدّس الله روحه : دليل وقوع العفو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ..) فإمّا أن يكون هذان الحكمان مع التوبة أو بدونها ، والأوّل باطل ؛ لأنّ الشرك يغفر مع التوبة فتعيّن الثاني. وأيضا المعصية مع التوبة يجب غفرانها وليس المراد في الآية المعصية التي يجب غفرانها ؛ لأنّ الواجب لا يعلّق بالمشيئة فما كان يحسن قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) فوجب عود الآية إلى معصية لا يجب غفرانها ، وكقوله تعالى في كتابه العزيز ب (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) وأجمع المسلمون عليه ، ولا معنى له إلّا إسقاط العقاب عن العاصي.
وقال (ره) في الشفاعة : إنّ الشفاعة للفسّاق من هذه الأمّة في إسقاط عقابهم (٣) وقال : إنّ شفاعة نبيّنا صلىاللهعليهوآله متوقّعة ، بل واقعة بقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) وصاحب الكبيرة مؤمن لتصديقه بالله ورسوله وإقراره بما جاء به النبيصلىاللهعليهوآله ، وذلك هو الإيمان ، وإذا أمر صلىاللهعليهوآله بالاستغفار لا يتركه لعصمته ، واستغفاره لأمّته مقبول ، تحصيلا لمرضاته تعالى ؛ لقوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) هذا مع قولهصلىاللهعليهوآله : «ادّخرت شفاعتي لأهل البكائر من أمّتي».
__________________
(١) التبيان ، ج ١ ، ص ٤٣٤.
(٢) شرح التجريد ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٣.
(٣) شرح التجريد ، للعلّامة (ره) ص ٣٦٢ ـ ٣٦٣.