أحدهما : أنّه تخصيص بلا مخصّص ؛ لأنّ ما دون الشرك يقع على الكبير والصغير ، والله تعالى أطلق أنّه يغفر ما دونه ، فلا يجوز تخصيصه من غير دليل.
الثاني : أنّ الصغائر تقع محبطة فلا تجوز المؤاخذة بها عند الخصم ، وما هذا حكمه لا يجوز تعليقه بالمشيئة ، وقد علّق الله تعالى غفران ما دون الشرك بالمشيئة ؛ لأنّه قال : (لِمَنْ يَشاءُ).
فإن قيل : تعليقه بالمشيئة يدلّ على أنّه لا يغفر ما دون الشرك قطعا.
قلنا : المشيئة دخلت في المغفور له لا فيما يغفر ، بل الظاهر يقتضي أنّه يغفر ما دون الشرك قطعا ، لكن لمن يشاء من عباده ، وبذلك تسقط شبهة من قال : القطع على غفران ما دون الشرك من غير توبة إغراء بالقبيح الذي هو دون الشرك ؛ لأنّه إنّما يكون إغراء لو قطع على أنّه يغفر ذلك لكلّ أحد ، فأمّا إذا علّق غفرانه لمن يشاء فلا إغراء ؛ لأنّه لا أحد إلّا وهو يجوز أن يغفر له كما يجوز أن يؤاخذ به ، فالزجر حاصل على كلّ حال.
ومتى عارضوا هذه الآية بآيات الوعيد كقوله : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) وقوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) وقوله : (إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) كان لنا أن نقول : العموم لا صيغة له فمن أين لكم أنّ المراد به جميع العصاة؟
ثمّ نقول : نحن نخص آياتكم بهذه الآية ونحملها على الكفار. فمتى قالوا لنا : بل نحن نحمل آياتكم على أصحاب الصغائر ، فقد تعارضت الآيات ووقفنا وجوّزنا العفو لمجرّد العقل وهو غرضنا.
وقال ابن عمر : لمّا نزل قوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ظنّ قوم أنّه تعالى يغفر الشرك أيضا فأنزل الله هذه الآية ، وقال ابن عمر : ما كنّا نشكّ معشر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله في قاتل المؤمن وآكل مال اليتيم وشاهد الزور وقاطع الرحم حتّى نزلت هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فأمسكنا عن هذه الشهادة.