الشرك ولا يغفر لبعضهم ، علمنا أنّه لا يجوز في حكمته وعدله أن يكون البعض الذين يغفر لهم أهل الكبائر ، والبعض الذين لا يغفر لهم أهل الصغائر ، أو أن يغفر لعبد ويعذّب عبدا والذنبان متساويان وهما في المعصية سيان ؛ لأنّ هذا هو معنى المحاباة التي يتعالى سبحانه عن فعلها ، إذ لا هوادة بينه وبين أحد ولا علاقة قرابة ولا نسب ولا تدركه الرقّة ولا تميل به الشفقة ؛ لأنّ جميع ذلك من صفات الأجسام المصنوعة ودلائل الأعيان المخترعة ، وهو تعالى خالق الخلق ومنشئ الكلّ ، فإذا كان الأمر على ما ذكرنا فقد صحّ أنّ البعض الذي لا يشاء أن يغفر لهم ممّن أتى ما دون الشرك هم أهل الكبائر الذين ماتوا على جهة الإصرار وذهبوا عن الندم والإقلاع ، وأنّ البعض الذي يشاء تعالى أن يغفر لهم هم أهل الصغائر ، ومن مات تائبا من أهل الكبائر (١).
ويقول أيضا : على أنّ المغفرة عندنا تتضمّن الإثابة ؛ لأنّه تعالى إنّما يغفر السيّئات بفعل الثواب فيصير كالساتر للمعاصي ، وهذه حقيقة الغافر في أصل اللغة ، وقد علمنا أنّ الغفران على هذا الحدّ لا يصحّ إلّا للتائبين ولأصحاب الصغائر ؛ لأنّه يصحّ في كلا الوجهين إثبات الثواب وفي غفران الكبائر لا يصحّ ذلك (٢).
هذا ما ذكره السيد الشريف الرضي (ره) تبعا للمعتزلة الذين يذهبون إلى عدم جواز العفو الإلهي.
وخلاصة هذا الرأى السلبي : أنّ عفو الله تعالى إنّما يكون عن المذنبين بقبول توبتهم إذا تابوا وأنابوا وعملوا صالحا ، وأنّ الشفاعة إنّما تكون لزيادة المنافع وزيادة الثواب ، أمّا من مات عن كبيرة من المسلمين وهو مصرّ عليها فلا عفو ولا شفاعة.
وأمّا آراء القائلين بجواز العفو الإلهي ودليلهم في المسألة وهم جمع من جهابذة أساطين المتكلّمين فكما يلي.
قال الشيخ المفيد (ره) : وأقول : إنّ مرتكبي الكبائر من أهل المعرفة والإقرار مؤمنون
__________________
(١) انظر حقائق التأويل ، ج ٥ ، ص ٣٦٢ ـ ٣٦٣ طبعة النجف.
(٢) حقائق التأويل ، ج ٥ ، ص ٣٦٨ ـ ٣٦٩.