سبحانه وتعالى ، كما يذهب الوعيديون من المعتزلة ومن وافقهم من الإمامية الذين أخذوا بظاهر الوعيد دون الوعد. الوعد الذي جاء في آيات كثيرة العدد في القرآن العزيز.
والموضوع الذي يدور حوله البحث والنقد ، والذي هو سبب هذا الاختلاف في الرأى بين علماء المسلمين هو تفسير الآية الكريمة (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١).
فيقول بعضهم : إنّ الله تعالى أدخل ما دون الشرك من جميع المعاصي في مشيئة الغفران ، وبها يستدلون على جواز العفو الإلهي عمّن يشاء الله تعالى أن يغفر له من أهل الكبائر بلا توبة ، ويقولون أيضا : إنّ المعصية مع التوبة يجب غفرانها ، ومن المقطوع به أنّه ليس المراد في الآية المعصية التي يجب غفرانها ؛ لأنّ الواجب لا يعلّق بالمشيئة فلا يحسن على هذا قوله تعالى : (لِمَنْ يَشاءُ) فلازمه أن تكون المعصية المقصودة في الآية المعصية التي لا يجب غفرانها ، ولقوله جلّ ذكره : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) ويقول بعضهم خلاف الرأي الأوّل : إنّ مرتكبي المعصية التي دون الشرك هم الذين لا يشاء الله أن يغفر لهم ، وإنّ مشيئة الله تعالى في مثل هذه الحال إنّما تدخل لتمييز أمر عن أمر ، ولا يكون المقصود بها ظاهرها.
وممّن ذهب إلى القول الأخير من علماء الشيعة الإمامية السيد الشريف الرضيّ قدسسره على ما صرّح به في تفسيره ، وقال : لا حجّة للقائلين بالإرجاء في هذه الآية ؛ لأنّ الأمر لو كان على ما ظنّوه من الغفران لأهل الكبائر الذين يموتون غير مقلعين ولا نادمين بل مصرّين متتابعين ، لكان وجه القول أن يكون ويغفر ما دون ذلك إن شاء ، فأمّا وهو تعالى يقول : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فقد وجب أنّه تعالى يغفر لبعضهم ، وهم الذين يشاء أن يغفر لهم ، ودلّ ذلك على أنّ ممّن يرتكب ما دون الشرك من لا يشاء أن يغفر له ، فلمّا دلّت الآية على ـ أنّه سبحانه يغفر لبعض من يرتكب ما دون
__________________
(١) النساء ٤ : ٤٨ و ١١٦.