(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) الآية ، قام النبي صلىاللهعليهوآله ورقي المنبر فتلاها على الناس فقام إليه رجل ، فقال : والشرك بالله؟ فسكت النبيّ ثمّ قام الرجل إليه مرتين أو ثلاثا ، فنزلت الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).
ويروى مطرف بن الخشير عن عمر بن الخطاب أنّه قال : كنّا على عهد رسول اللهصلىاللهعليهوآله إذا مات الرجل منّا على كبيرة شهدنا بأنّه من أهل النار حتّى نزلت الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فأمسكنا عن الشهادة.
ويقول المحققون من أكابر العلماء : هذه الآية أرجى آية في القرآن ؛ لأنّ فيها إدخال ما دون الشرك من جميع المعاصي في مشيئة الغفران ، وقد وقف الله المؤمنين الموحّدين بهذه الآية بين الخوف والرجاء وبين العدل والفضل ، وليست هذه إلّا صفة المؤمن الصحيح ودليل الإيمان العميق.
وإلى هذا المعنى يشير الإمام الصادق عليهالسلام بقوله : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» وعليه يدخل قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) وقوله سبحانه (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).
وعن ابن عباس قال : ثمان آيات نزلت في سورة النساء خير لهذه الأمة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) و (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) في الموضعين (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ).
وغير خفيّ أنّ الآراء مختلفة ، فحكم فريق بكفر المذنبين وخلودهم في النار ، وحكم فريق بالمنزلة بين المنزلتين : الإيمان والكفر ، وفريق حكم بإرجاء أمرهم إلى يوم القيامة ليحكم الله عليهم بما شاء ، وحكم فريق بجواز العفو الإلهي عنهم ؛ لأنّ ذنوبهم دون الشرك ، والذي يهمّنا من هذه الآراء هو إثبات العفو الإلهي ، وبيان أدلّة هذا الفريق الذي يرى جواز العفو الإلهي عن بعض المذنبين بلا توبة ، وإثبات أنّ العفو جائز لا ريب في ذلك ، وأنّه تفضل من الله تعالى لا ميل فيه ولا محاباة ولا مخالفة لعدله