ويعذّب من يشاء ، أي ويعذّب الكافرين ومن يشاء من مذنبي المؤمنين إن مات قبل التوبة عدلا ، ويدلّ عليه مفسّرا قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ووجه إبهامه تعالى أمر التعذيب والمغفرة فلم يبيّن من يغفر له ومن يعذّبه ، بأنّه ليقف المكلّف بين الخوف والرجاء فلا يأمن من عذاب الله تعالى ؛ لأنّ الأمن من عذابه خسر ، واليأس من رحمته كفر فلا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون ، ولا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون ، ويلفت إلى هذا قول الإمام الصادق عليهالسلام : «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» وفي تفسيرها عن ابن عباس قال : معنى الآية : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممّن لم يتب.
وإلى هنا ونعود إلى الآية الشريفة : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) آية العفو والرحمة ، يقول الكلبي : نزلت هذه الآية في المشركين وحشي وأصحابه ؛ وذلك لأنّه لمّا قتل حمزة (رض) وكان قد جعل له على قتله أن «يعتق» فلم يوفّ له بذلك ، فلمّا قدم مكة ندم على صنيعه هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّا قد ندمنا علي الذي صنعناه وليس يمنعنا عن الإسلام إلّا أنّا سمعناك تقول وأنت بمكة : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) وقد دعونا مع الله إلها آخر ، وقتلنا النفس التي حرّم الله وزنينا ، فلو لا هذا لاتّبعناك ، فنزلت الآية (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) فبعث بها رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى وحشيّ وأصحابه ، فلما قرءوها كتبوا إليه : إنّ هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملا صالحا فلا نكون من أهل هذه الآية فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فبعث بها رسول الله صلىاللهعليهوآله إليهم فقرءوها فبعثوا إليه : إنّا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئة الله ، فنزلت الآية ، (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فبعث بها رسول الله صلىاللهعليهوآله إليهم ، فلمّا قرءوها دخلوا في الإسلام ورجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقبل منهم.
ويقول أبو مخنف عن ابن عمر قال : نزلت في المؤمنين ، وذلك أنّه لما نزلت