عن كلّ انسان بما استدرك واستثنى في أواخر الآيات الشريفة بقوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِهِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى).
هذه الآيات المباركة صريحة في الدلالة على أنّه يقع العفو الإلهي عن بعض المذنبين من المؤمنين ، تفضّلا من الله تعالى عليهم ، وبعد أن أذن الله بالشفاعة للشافعين وأنّ العفو واقع من الله تعالى بسبب من الأسباب التي من جملتها «الشفاعة».
ومن الدليل على وقوع العفو الإلهي عن بعض المذنبين بلا توبة الآية المباركة : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
وقد روي عن ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ما أحبّ أنّ لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ، يشير إلى الآية المذكورة. وعن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام أنّه قال : ما في القرآن آية أوسع من (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) الآية. وسئل رسول اللهصلىاللهعليهوآله عن هذه الآية : أخاصّة هي أم للمسلمين عامة؟ فقال صلىاللهعليهوآله : بل هي للمسلمين عامة «ولله سبحانه المشيئة» في المذنب الذي لم يتب ، يعذّبه بعدله أو يغفر له بفضله كما دلّ عليه بقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) وفيه ما يثبت جواز وقوع العفو الإلهي عن بعض المذنبين المؤمنين الذين يموتون بلا توبة عمّا اقترفوا من كبيرة عدا الشرك. ولا مجال لليأس والقنوط بعد أن كتب سبحانه على نفسه الرحمة وتفضّل بالعفو ومنّ بالمغفرة (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) ومن الدليل على وقوع العفو الإلهي المذكور قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) يقول الكثير من المفسّرين : إنّ الله تعالى يغفر لمن يشاء من المؤمنين ذنوبهم فلا يؤاخذهم بها ولا يعاقبهم عليها رحمة منه وتفضّلا ،
__________________
(١) آل عمران ٣ : ١٢٩.