مع التوبة ؛ لقيام الإجماع على سقوط العقاب فيهما ، فلا فائدة في العفو ، فلا بدّ وأن يكون متوجّها إلى الكبائر قبل التوبة.
الثاني : شفاعة النبي خاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه وآله وسلّم ، وشفاعته متوقّعة بل واقعة ؛ لصريح قوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ، وقد ثبت أنّ مرتكب الكبيرة مؤمن لتصديقه بالله ورسوله وإقراره بما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله وذلك هومعنى الإيمان ؛ لأنّ الإيمان هو التصديق القلبي مع عقد القلب بإظهار آثاره ، وحين تعطى له صلىاللهعليهوآله هذه المنزلة الرفيعة ، وحين يؤمر أن يستغفر للمؤمن لن يتركه لعصمته صلىاللهعليهوآله ولأنّ استغفاره صلىاللهعليهوآله لأمّته مقبول تحصيلا لمرضاة الله تعالى ؛ لقوله جلّ وعلا : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) ولقوله صلىاللهعليهوآله : «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» ولقولهصلىاللهعليهوآله : «إنّما شفاعتي لأهل الكبائر ، وأما المحسنون فما عليهم من سبيل (١)».
وآيات الشفاعة لأهل الكبائر من المسلمين كثيرة ، وبها يندفع إنكار المعتزلة لها بقولهم بأنّ الشفاعة تتعارض مع مبدأ الوعد والوعيد ، وعليه ليس لأحد أن يشفع عند الله لأحد فتكون الشفاعة نجاة له من العقاب ، بل تجد كلّ نفس يومئذ من الثواب بقدر عملها الصالح ، ومن العقاب بقدر عملها السيّئ ؛ فإنّ قولهم هذا نظر سطحي ، وبالنظر العميق لا تتعارض الشفاعة مع مبدأ الوعد والوعيد ، فإنّ الآيات القرآنية تنفي الشفاعة من جهة وتثبتها من جهة أخرى ، وليس من المعقول الأخذ بآيات وصرف النظر عن آيات أخرى ، فإليك نقل عدة كثيرة من آيات الشفاعة فيما يلي :
١ ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٢).
٢ ـ (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) (٣).
__________________
(١) رسالة العدالة للشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره.
(٢) البقرة ٢ : ٢٥٥.
(٣) يونس ١٠ : ٣.