غير مستحسن من الجواد المطلق ، ولمدحه نفسه تعالى بأنّه «غفور رحيم».
وللمحقّقين من المتكلّمين أدلّة قوية في إثبات عفو الله تعالى ، وأنّه مرجوّ متوقّع في حقّ المرتكبين للكبائر إن ماتوا من غير توبة.
منها : أنّ العقاب حقّ الله تعالى فيجوز تركه ، ولا ضرر في الترك ؛ لأنّه تعالى غنيّ بذاته عن كلّ شيء ، وقال الشيخ المصنّف (ره) في إرشاد الطالبين : «العقاب حقّه تعالى فجاز منه إسقاطه ، أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني ؛ فلأنّه لا ضرر عليه في تركه ولا لوم مع أنّه إضرار بالعبد ، فتركه إحسان إليه ، وكلّما كان كذلك كان إسقاطه جائزا بل ذلك غاية الإحسان قطعا» (١).
منها : أنّ العقاب ضرر بالمكلّف ، ولا ضرر في تركه على مستحقّه ، وكلّما كان كذلك كان حسنا.
منها : قال الله تعالى في كتابه الكريم بأنّه (لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٢) وأجمع المسلمون على ذلك ، ولا معنى له إلّا إسقاط العقاب عن العاصي.
منها : إنّما يكون العفو عن المذنب غير جائز ومستحيلا إذا لم يكن هناك مرجّح له ، وإمّا إذا كان المرجّح ـ وهو الفائدة المخرجة للفعل عن أن يكون عبثا ـ موجودا في نوعه فلا استحالة فيه ، والفائدة تتحقّق في شمول العبد المذنب بالعفو الإلهي.
منها : تحقّق «عدم وجود المانع» من صدور العفو عنه تعالى لمن يشاء من غير فرق في ذلك بين الصغير والكبير من الذنوب بل وبين الكفر وغيره ؛ إذ لا رادّ لحكمه ولا مبدّل لكلماته ، وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ... إلّا أنّه لما ثبت أنّ أفعاله كأحكامه تابعة للمصالح ، فالتخصيص ببعض دون بعض لا بدّ وأن يكون لمخصّص ، والمخصص قد يكون «شفاعة» نبيّ له أو وصيّ ، أو مؤمن أو من جهة ملكة نفسانية حسنة كالسخاء أو صلة الرحم مثلا : نقل هذا الدليل مؤلّف كتاب التوبة والعفو
__________________
(١) إرشاد الطالبين ، ص ٢٠٥.
(٢) (لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) الحج ٢٢ : ٦٠ ؛ المجادلة ٥٨ : ٢ (عَفُوًّا غَفُوراً) النساء ٤ : ٤٣ ـ ٩٩ (عَفُوًّا قَدِيراً) النساء ٤ : ١٤٩.