رأيهم من الكتاب الكريم بآيات الوعد والوعيد منها : قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) وقوله تعالى : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) والله تعالى صادق بما يعد. ومن هنا نشأ قولهم : إنّ الله لا يغفر الكبائر من غير توبة ، فحيث يموت المسلم عن طاعة وتوبة يستحقّ الثواب ، وحيث يموت عن غير توبة من كبيرة اقترفها يخلد في النار إلّا أنّ عذابه فيها يكون أخفّ من عذاب الكفار.
وهذا الرأي يرتكز على مذهبهم من القول بالمنزلة بين المنزلتين ، وهو أنّ مرتكب الكبيرة ـ على هذا المذهب ـ لا مؤمن ولا كافر ، بل هو فاسق في منزلة ثالثة بين منزلتي الإيمان والكفر ، فالفاسق في رأيهم لا يرتفع إلى سموّ الإيمان ولا ينخفض إلى حضيض الكفر وإنّما هو «بين بين».
والذي يؤخذ عليهم : أنّه يلزم على هذا القول إنكار الشفاعة يوم القيامة ، وتجاهل الآيات الحكيمة التي تقول بها ، والتمسك بالآيات النافية لها. وإشكال المعتزلة عليها سنشير إليه مع نقده ودفعه إن شاء الله تعالى.
والأشاعرة قالوا : إنّ مرتكب الكبيرة التي دون الشرك مسلم مؤمن ، وهذا الذنب لا يخرجه من الإيمان ولا يدخله الكفر ؛ لبقاء التصديق الذي هو حقيقة الإيمان عند العبد العاصي من المسلمين ، ولإجماع الأمّة الإسلامية منذ زمن النبي صلىاللهعليهوآله على وجوب تأدية الصلاة على من مات من المسلمين عن كبيرة من غير توبة ، والدعاء له ودفنه في مقابر المسلمين ، ولإطلاق القرآن الكريم لفظ الإيمان على العاصي في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) وفي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً).
وأمّا الشيعة الإمامية فهم يتفقون مع الأشاعرة في القول بأنّ مقترف الكبيرة مؤمن ؛ لتصديقه بالله ورسوله وإقراره بما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله.
ويرون أنّه معاقب على ذنبه هذا إذا لم يحصل له أحد أمرين :
الأوّل : عفو الله تعالى وعفوه مرجوّ متوقّع وقد وعد به ، وخلف الوعد