وما ذكرناه من كفاية العلم الحاصل من التقليد لا ينافي الآية المباركة. (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (١) فإنّ المراد منها هو ذمّ اتّخاذهم دين آبائهم وأجدادهم بمحض التعصّب لهم ، وسلوك طريقتهم تعصبا وتقليدا لهم من غير أن يحصل لهم العلم والمعرفة ، ومن المعلوم أنّ سلوك هذه الطريقة مذموم شرعا وعقلا.
والظاهر أنّ من قال من علمائنا (ره) : إنّه لا يجوز التقليد في أصول الدين ، وهو المشهور المدّعى عليه الإجماع من العلّامة والشهيد (ره) ، مرادهم من ذلك هو هذا المعنى ، أعني التقليد الذي اشتهر في الألسن وقرع الأسماع ، وهو الأخذ بقول الغير والالتزام به من غير حصول العلم للمقلّد ، ولا ريب أنّ هذا التقليد لا يكفي في أصول الدين ، والتعبير بالتقليد عن العلم الحاصل من التقليد إن لم يكن غلطا فلا شكّ أنّه مسامحة في التعبير وخلاف ظاهر اللفظ ، ومن أخذ أصول دينه بهذا النحو من التقليد المصطلح في الفروع الدينيّة فليس فيه حقيقة الإيمان الذي هو من صفات القلب ، وهذا المطلب بديهي فضلا أن يكون إجماعيا.
نعم من أخذ أصول الدين بهذا النحو من التقليد وهو متديّن في الظاهر مع عدم الجحود والإنكار ، فهل تترتّب عليه الأحكام الظاهرية الموجودة في الشريعة المقدّسة الإسلامية أولا؟ فهو مقام آخر ، وإن كان الأقوى في هذا المقام هو ترتّب أحكام الإسلام على هذا المسلم : من حقن الدماء وحرمة الأموال والطهارة وجواز المناكحة وحلّ الذبيحة ونحوها ، ولا سيما في بدء الإسلام لحكمة تكثير سواد المسلمين وطلب ازدياد شوكة الدين حيث يكتفي بمجرد الانقياد والتسليم ، وهذه الحكمة موجودة في كلّ زمان ، نعم كانت أهمّ في بدء الإسلام قال تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٢) ولمّا لم يكن في أمثالهم حقيقة الإيمان فيعامل معهم في الآخرة معاملة الكفر ، وهم في زمرة المخلّدين في النار
__________________
(١) الزخرف ٤٣ : ٢٣.
(٢) الحجرات ٤٩ : ١٤.