الأوّل : إنّ الإيمان هو التصديق القلبي والاعتقاد الجناني (١) فقط مع عقد القلب بإظهار آثاره ، وهو حاصل في صورة العلم بالأمور الخمسة من التقليد.
والثاني : إنّ العلم لا يحصل من غير دليل وإلّا يلزم وجود معلول بلا علّة ، وهو محال ، فالعلم الحاصل من التقليد علم حصل من الدليل ، ولا دليل لنا على تعيين دليل من الأدلّة وتخصيصه بواحد منها دون آخر.
الثالث : أنّه بعد ما حصل العلم من التقليد ، فإن لم يكف ذلك في تحقّق الإيمان وصار العالم بالمعارف الخمسة مأمورا بتحصيل مقدّمات العلم ، فيلزم منه أن يأمر المولى الحكيم بتحصيل الحاصل ، وقبحه معلوم.
ففي توضيح هذا المطلب نقول : إنّ النظر عبارة عن ترتيب أمور معلومة لتحصيل أمر مجهول ، وفي صورة حصول العلم من التقليد لا يبقى مجهول حتّى يكون العلم بالمقدّمات محصّلا العلم به ، نعم للمولى أن يأمر بحفظ صورة براهين لحفاظة المؤمنين من كيد أعداء الدين وإغواء حزب الأبالسة وإضلال الشياطين ؛ لئلّا يكونوا سببا لانحراف الناس عن الصراط السوي والمذهب الحقّ ، فيلزم من ذلك أن يكون حفظ صور البراهين واجبا كفائيا لا عينيا ، وبعد قيام من به الكفاية بذلك يسقط الوجوب ، وبناء عليه فلا دخل له في تحقّق الإيمان أصلا.
وأضف إلى ذلك أنّ هذا المعنى الذي ذكرناه لا يحصل بحفظ صورة البرهان فقط ، بل يلزم التعمّق في مباحث علم الكلام والبحث والتنقيب فيها حتّى يتمكّن من صيانة الدين عند الحاجة من بدع أهل البدعة والضلالة [ودفع] شبهات أهل الكفر والغواية.
__________________
(١) قال علماؤنا الإمامية (رض) : إنّ الإيمان الذي يوجب وجوده الخلود في الجنة وعدمه الخلود في النار ، هو التصديق القلبي فقط بالمعارف الخمسة ، وأمّا القول بأنّ الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان فهو تعريف للإيمان الكامل ، نعم ذهب المحقّق الطوسي (ره) إلى أنّ الإيمان هو التصديق القلبي مع الإقرار باللسان ، ولكنّ المشهور هو الأول ، وتدلّ عليه الآيات والأخبار ، نعم يعتبر في إجراء أحكام الإسلام عدم الإنكار باللسان ، وقد حقّقنا هذه المسألة في رسالة مستقلة ، وينبغي للقارىء العزيز مطالعة كتاب حقائق الإيمان المطبوع للشيخ الإمام الشهيد الثاني قدسسره. ولكن غير خفيّ على الخبير أنّه يلزم مع التصديق القلبي عقد القلب بإظهار آثار الإيمان في الخارج كما حقّقه المحقّق القميّ (ره) وغيره.