تدلّ على ما ذهب إليه ، وهي شيء قائم بنفسه لا حجم له ولا حيّز ، لا يصحّ عليه التركيب ولا الحركة ولا السكون ولا الاجتماع ولا الافتراق ، وهو الشيء الذي كانت تسمّيه الحكماء الأوائل «الجوهر البسيط» وكذلك كلّ حيّ فعّال محدث فهو جوهر بسيط وليس كما قال الجبائي وابنه وأصحابهما : إنّه جملة مؤلّفة ، ولا كما قال ابن الأخشاد : إنّه جسم متخلخل في الجملة الظاهرة ، ولا كما قال الأعوازي : إنّه جزء لا يتجزّأ ، وقوله فيه قول معمّر من المعتزلة وبني نوبخت من الشيعة على ما قدّمت ذكره ، وهو شيء يحتمل العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة والبغض والحبّ ، قائم بنفسه محتاج في أفعاله إلى الآلة التي هي الجسد.
والوصف له أنّه حيّ يصحّ عليه القول بأنّه عالم قادر ، وليس الوصف له بالحياة كالوصف للأجساد بالحياة حسبما قدمناه ، وقد يعبّر عنه بالروح ، وعلى هذا المعنى جاءت الأخبار أنّ الروح إذا فارقت نعمت وعذبت ، والمراد الإنسان الذي هو الجوهر البسيط يسمّى الروح ، وعليه الثواب والعقاب ، وإليه يوجّه الأمر والنهي والوعد والوعيد.
وقد دلّ القرآن على ذلك بقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) فأخبر تعالى أنّه غير الصورة وأنّه مركّب فيها ، ولو كان الإنسان هو الصورة لم يكن لقوله تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) معنى ؛ لأنّ المركّب في الشيء غير الشيء المركّب فيه ، ومحال أن تكون الصورة مركّبة في نفسها وعينها ؛ لما ذكرناه وقد قال سبحانه في مؤمن آل يس : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) فأخبر أنّه حيّ ناطق منعّم وإن كان جسمه على ظهر الأرض أو في بطنها ، وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ ...) فأخبر أنّهم أحياء وإن كانت أجسادهم على وجه الأرض أمواتا لا حياة فيها. وروي عن الصادقين عليهماالسلام أنّهم قالوا : إذا فارقت أرواح المؤمنين أجسادهم أسكنها الله تعالى في أجسادهم التي فارقوها فينعّمهم في جنّته ، وأنكروا ما ادّعته العامة من أنّها تسكن في حواصل الطيور الخضر ، وقالوا : المؤمن