الإنسان إليها بعد الحياة الدنيوية المانعة من إدراك أكثر الأشخاص لتلك الحياة.
وبالجملة تفسير الحياة بما نقلناه من الحياة ، أعني بقاء الذكر الجميل لا يليق أن يتفوّه به من كان من أهل العلم والإيمان ؛ فإنّه ليس إلّا مجرّد وهم كاذب وتخيّل فاسد ، مع أنّه حمل للفظ على غير معناه الحقيقي بغير دليل.
روى الشيخ الأعظم البهائي قدسسره في كتابه الأربعين ، بسنده عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام عن أرواح المؤمنين؟ فقال : في الجنّة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت : فلان ثمّ قال الشيخ (ره) : بعد نقل الحديث عن أرواح المؤمنين. ـ أي عمّا يؤول إليه حالها بعد خراب أبدانها ـ : وكثيرا ما يطلق الروح على الجسم البخاري المتكوّن عن لطيف الدم المتبخّر المنجذب إلى التجويف الأيسر من القلب.
والمراد هنا هو ما يشير إليه الإنسان بقوله : أنا ، أعني النفس الناطقة ، وهو المعنيّ بالروح في القرآن والحديث ، وقد تحيّر العقلاء في حقيقتها واعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها حتّى قال بعض الأعلام : إنّ قول أمير المؤمنين عليهالسلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» معناه أنّه كما لا يمكن التوصّل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصل إلى معرفة الربّ (١). وقوله عزوجل : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ممّا يعضد ذلك.
والأقوال في حقيقتها متكثّرة والمشهور أربعة عشر قولا ذكرناها في المجلّد الرابع من المجموع الموسوم بالكشكول ، والذي عليه المحقّقون : أنّها غير داخلة في البدن بالجزئية والحلول ، بل بريئة عن صفات الجسمية منزّهة عن العوارض المادية ، متعلّقة به تعلّق التدبير والتصرّف فقط ، وهو مختار أعاظم الحكماء الإلهيّين وأكابر الصوفية والإشراقيين ، وعليه استقر رأي أكثر متكلّمي الإمامية ، كالشيخ المفيد وبني نوبخت والمحقّق نصير الملّة والدين الطوسي والعلّامة آية الله جمال الدين الحلّي ، ومن الأشاعرة
__________________
(١) الظاهر أنّ المراد أنّه لا يمكن التوصّل إلى معرفة كنه النفس وحقيقتها وذاتها فكذلك الربّ تعالى.