الراغب الأصفهاني وأبي حامد الغزالي والفخر الرازي.
وهو المذهب المنصور الذي أشارت إليه الكتب السماوية ، وانطوت عليه الأنباء النبوية وعضدته الدلائل العقلية ، وأيّدته الأمارات الحسيّة والمكاشفات الذوقيّة ، فقال : «في الجنّة» الظرفية مجازية باعتبار الشبح الذي تعلّقت الروح به وإلّا فهي مجرّدة غير مكانية «على صور أبدانهم» خبر ثان للمبتدإ المحذوف أو حال من المستكنّ في الظرف ، والمراد أنّها عاكفة ومقيمة على تلك الصور ، ويحتمل أن يكون على معنى «في» كما قالوه في قوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) وقوله سبحانه : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) تشبيها للملابسة التعليقية بالملابسة الظرفية ، إلى أن قالقدسسره:
في هذا الحديث دلالة على أمرين :
الأوّل : بقاء النفوس بعد خراب الأبدان ، وإليه ذهب أكثر العقلاء من الملّيين والفلاسفة ، ولم تنكره إلّا فرقة قليلة كالقائلين بأنّ النفس هي المزاج ، وأمثالهم ممّا لم يعبأ بهم ولا بكلامهم ، والشواهد العقلية والنقلية على ذلك كثيرة ، وقد تضمّن كتاب المطالب العالية ـ من تأليفات الفخر الرازي ـ منها ما لا يوجد في غيره ، ويكفي في هذا الباب قوله جلّ وعلا : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) الآية (١).
قلت : وقد بيّن الشيخ المصنّف (ره) دلالة الآية الشريفة على المطلب ، وذكرنا دلالتها على تجرّد الروح وعلى البدن البرزخي كما عرفت. ثمّ قال الشيخ البهائي قدسسره.
الثاني : أنّها تتعلّق بعد مفارقة أبدانها العنصرية بأشباح مثالية تشابه تلك الأبدان ، وعليه الصوفية وحكماء الإشراق. والذي دلّت عليه الأخبار المنقولة عن أئمّة أهل البيتعليهمالسلام أنّ تعلّق الأرواح بهذه الأشباح يكون في مدّة البرزخ ، فتتنعّم أو تتألّم بها إلى أن تقوم الساعة ، فتعود عند ذلك إلى أبدانها كما كانت عليه.
__________________
(١) آل عمران ٣ : ١٦٩.