الشهداء فقط ، فإنّه لم يقل أحد : إنّه مختصّ بهم ، فليس بيان الحياة لهم في الآية الشريفة إلّا لما ذكرناه.
وهذه الآية كالآية النظيرة لها وهي قوله تعالى في سورة البقرة : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (١) فقد قيل : إنّها نزلت في شهداء بدر فقط فهي مخصوصة بهم ، وهذا القول ممّا لا يعبأ به ، فإنّه بعد التحليل يعدّ من الأغلاط الواضحة فإنّ من يقول بانعدام الإنسان بعد الموت ، فهل يقول في حقّ الشهداء أنّ حياتهم بعد القتل على سبيل الإعجاز؟ مع أنّ ذلك ضروري الاستحالة ولا إعجاز في محال ، أم هو على نحو الاستثناء في حكم الحس وحياتهم غائب عن إحساسنا وما أدركنا من أمرهم بالقتل فقد أخطأ الحسّ في ذلك ، فلو جاز على الحسّ أمثال هذه الأغلاط فقد بطل الوثوق به على الإطلاق ، ولو كان المخصص هو الإرادة الإلهية احتاج تعلّقها إلى مخصّص آخر ، والإشكال ـ وهو عدم الوثوق بالإدراك ـ على حاله فكان من الجائز أن نجد ما ليس بواقع واقعا والواقع ليس بواقع ، وكيف يرضى عاقل أن يتفوّه بمثل ذلك؟ وهل هو إلّا سفسطة ، فإن شئت التفصيل في الجواب عن هذه المغلطة والتحقيق في ذلك فعليك بمراجعة ما ذكره سيدنا العلامة الطباطبائي دام ظلّه في تفسير الميزان (٢).
ونظير هذه المغالطة التي أشرنا إليها مع جوابها الإجمالي ربّما يقال : إنّ المراد من الحياة للشهداء هو بقاء الاسم والذكر الجميل على مرّ الدهور ، وهذا القول غلط واضح فإنّ الحياة بهذا المعنى حياة تخيّلية ليس لها في الحقيقة إلّا الاسم ، ومثل هذا الموضوع الوهمي لا يليق بكلامه تعالى ، وهو تعالى يدعو إلى الحقّ ويقول : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) (٣) ، مع أنّ قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) لا يناسب هذا المعنى ، فإنّ بقاء الذكر الجميل ممّا نشعر به ، وكان المناسب له أن يقول : بل أحياء ببقاء ذكرهم الجميل.
فالمراد من الحياة هو الحقيقة التي لا نشعر بها ، أعني الحياة البرزخية التي يصل
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٥٤.
(٢) الميزان ، ج ١ ، ص ٣٥٢ ـ ٣٥٣ طبعة طهران.
(٣) يونس ١٠ : ٣٢.