وقال الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١) يستفاد من هذه الآية الشريفة تجرّد الروح ، وكونه في عالم البرزخ في البدن الجسماني البرزخي ، يرزق من نعم الجنة ، أمّا الأوّل فإنّ الحضور عند الربّ والقرب منه تعالى لا يتصوّر من ذي مكان ، فإنّ القرب من ذي مكان ممّا هو لا في مكان محال ؛ إذ لا يتصوّر القرب المعنوي ممّا هو لا في مكان من ملابس مكان ، فإنّ القرب منه ليس القرب المكاني أو الزماني ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا بل القرب منه معنوي يحصل بالتخلّق بأخلاق الله تعالى وأوصافه المقدّسة والانتقاش بما هو مسطور في كتابه الذي لا يمسّه إلّا المطهرون ، فلا بدّ أن يكون القرب من غير ذي مكان ممّا هو لا في مكان وهو المطلوب ، كما هو المقصود من إتيان العبادات قربة إلى الله تعالى ، فإنّ المراد هو القرب المعنوي ولا يحصل ذلك إلّا من غير ذي مكان ، فالروح لا يتصوّر في مكان فلا يتصوّر لها الأوصاف الجسمانية ، فهي جوهر بريء عن المواد والمكان وشيء قائم بنفسه لا حجم له ولازمان ، ولا يصحّ عليه التركيب ولا الحركة والسكون ولا الاجتماع ولا الافتراق ، ومجرّد عن الأجزاء معقولة ومحسوسة فضلا عن الموضوع والهيولى ، ولذا لا يعقل لها الفناء ولا الانعدام ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أيّها الناس إنّا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء ، لكنكم من دار إلى دار تنقلون ، فتزوّدوا لما أنتم صائرون إليه وخالدون فيه (٢).
وأمّا الثاني ـ أعني كون الروح في عالم البرزخ في البدن الجسماني ـ فيستفاد من قوله تعالى : (يُرْزَقُونَ) أي يرزقون من نعيم الجنة غدوا وعشيا ، قال تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) والارتزاق من النعم الجسمانية يحصل بالبدن الجسماني ؛ إذا الحيّ لا بدّ له من رزق ، والرزق يشمل الروحاني والجسماني.
والأوّل : ارتزاق الأرواح من الأنوار الإلهية والعلوم الربانية والأشعة والأضواء
__________________
(١) آل عمران ٣ : ١٦٩.
(٢) الإرشاد ، ص ٢٢٨ ، طبعة تبريز.