استعمل في الآية الشريفة (يُرِيدُ) في الإرادة التشريعية ، فإنّ متعلّقها هو تشريع حكم وجعل قانون وليس ذلك إلّا بالإرادة التشريعية.
فالقارئ الكريم بعد ما تبيّن له أنّ القرآن الكريم قد نصّ على استعمال الإرادتين : التشريعية والتكوينية في حقّ الله تعالى وفي حقّ الإنسان ، واتّضح له معنى الإرادتين ممّا بيّناه فهلمّ بنا أن نبيّن أنّ الإرادة في آية التطهير من أيّ القسمين منهما.
فجمع من مفسّري المخالفين لنا من علماء العامة قالوا : إنّ الإرادة في آية التطهير هي التشريعية ، ودليلهم على هذا القول : أنّ آية التطهير بما أنّها واقعة بين الآيات الراجعة إلى زوجات النبي صلىاللهعليهوآله وفيها بيان لتكاليفهن ، فآية التطهير نازلة في حقّ الزوجات أو أعمّ منهنّ ومن أصحاب الكساء عليهمالسلام الخمسة النجباء ، وآية التطهير في بيان تشريع تلك الأحكام التي بيّنها الله تعالى لهنّ.
وينبغي لهنّ ولسائر أقرباء النبي صلىاللهعليهوآله وأصحاب الكساء من الطهارة عن الذنوب ، وعلى أيّ نحو كان يعتقدون أنّ الإرادة في الآية تشريعية.
وهذا الاعتقاد منهم غير مبتن على المباني العلمية أمّا أوّلا : فإنّك عرفت أنّ استعمال كلمة (أَرادَ) و (يُرِيدُ) في القرآن الكريم ظاهر نوعا في التكويني بل حقيقة فيه ، واستعمال اللفظ في غير معناه النوعي يحتاج إلى القرينة ، واستعمال في التشريعي ـ يعني في نفس الأوامر والنواهي بالنسبة إلى التكويني ـ قليل ، وقد استعملت كلمة «الإرادة» في القرآن الكريم في (١٣٨) موردا تقريبا ، وقريب من (١٣٥) موردا منها استعملت في الإرادة التكوينيّة ، فعلى ذلك فكلّ مورد عرض لنا الشكّ على الفرض أنّه هل المراد من الإرادة فيه هو التكوينية أو التشريعية؟ فلا بدّ لنا بملاك الظهور وكثرة الاستعمال في القرآن الكريم من الحمل على الإرادة التكوينية إلّا أن يكون دليل وقرينة على خلافه.
وأمّا ثانيا : فلنا دليل واضح في تشخيص أنّ الإرادة في آية التطهير هي التكوينية ، وقد بيّنا أنّ الفرق بين التكويني والتشريعي والفصل المميّز بينهما على ما استفدنا من الآيات القرآنية ، هو أنّ الإرادة التكوينية تتعلّق بفعل المريد لا بفعل الغير ، والتشريعية