قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (١).
وقال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٢).
ومن الواضح أنّ في الآيتين إشارة واضحة إلى الإرادة التكوينية للإنسان ، وأنّها تتخلّف عن مراده وأنّ إرادته مقهورة تحت الإرادة الأزلية. والآيات دليل بين أنّ الإرادة التكوينية استعملت في القرآن الكريم في الإرادة التكوينية لله تعالى وفي إرادة الإنسان.
وأمّا ما جاء في القرآن الكريم من استعمال الإرادة التشريعية فكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣).
ولا شكّ أنّ الإرادة في قوله عزوجل : (يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) تشريعية ، فإنّ الله تعالى يريد جعل الأحكام وتشريعها من الوضوء والغسل والتيمّم ، والغرض طهارة الناس من الأحداث والقذارات والكثافات. وبديهي أنّ بعض الناس يعمل بهذه الأحكام وبعضهم يتركها ، فإن كانت الإرادة تكوينية فلا يمكن أن تتخلّف عن المراد. وأضف إلى ذلك أنّك قد عرفت أنّ الإرادة التشريعية تتعلّق بفعل الغير بإرادته واختياره ، وفي هذه الآية تعلّقت إرادة الله تعالى بأفعال العباد ، وأنّهم يعملون بهذه الأحكام باختيارهم ، فظهر أنّ المراد من الإرادة في قوله : (يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) هو الإرادة التشريعية.
قال الله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٤).
__________________
(١) الصف ٦١ : ٨.
(٢) المائدة ٥ : ٣٧.
(٣) المائدة ٥ : ٦.
(٤) البقرة ٢ : ١٨٥.