وأمّا الإرادة التشريعية فهي التي تتعلّق بفعل الغير وبصدور العمل عنه باختياره ، وهذه الإرادة أيضا تكون في الإنسان بعد المقدّمات التي ذكرناها من تصوّر الشيء المراد والفائدة والميل والعزم والشوق المؤكّد ، فالوالد يريد من ابنه أن يتعلّم العلم فيأمره بذلك ، فإنّ بعد المقدّمات يأمر ابنه بتعلّم العلم أو ينهاه عن شيء ، وهذه الإرادة التشريعية ـ كما قلنا في التكوينية ـ تصدر عن الباري تعالى وتتعلّق بأفعال المكلّفين ، وليست في حقّ الله تعالى إلّا الأوامر والنواهي ، بمعنى التشريع باختيار المكلّفين ؛ ولذا نقول : إنّ الإرادة التي لا محيص عنها في التكليف حتّى يكون جدّيا لا صوريا هي الإرادة التشريعية ، والتشريع هو تعليم الله تعالى عباده كيفية سلوكهم في طريق العبودية.
ثمّ نقول : إنّ الإرادتين ـ أعني التكوينية والتشريعية ـ قد استعملتا في القرآن الكريم ، فنحن نذكر بعض الآيات القرآنية حتّى يثبت ذلك ، ثمّ نشرع في تحقيق أنّ الإرادة في آية التطهير هل هي من قبيل الإرادة التكوينية أو التشريعية؟
قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ).
ولا شكّ أنّ معنى (يُرِيدُ) هو الإرادة التكوينية وأنّها لا تتخلّف عن المراد وهو يتحقّق قطعا.
قال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
فالله تعالى يبيّن في هذه الآية كيفية تحقّق المراد بإرادته التكوينية ، وأنّها لا تتخلّف عن مراده ، ويلبس المطلوب لباس الوجود بمجرّد الإرادة من غير حالة منتظرة.
وكما يقول تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا ريب أنّ المراد الإرادة التكوينية من الله تعالى. وإلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي يطول الكلام بذكر كلّها.
وأمّا استعمال الإرادة التكوينية في الآيات القرآنية بالنسبة إلى إرادة الإنسان ، فمنها
__________________
(١) يس ٣٦ : ٨٢.