التي فرضها الله تعالى لكن ما كنتنّ كسائر النساء ، فإنّ لكنّ حينئذ شأنا ومقاما ، وإن لم تتّقين ولا تكون التقوى شعاركن فأنتنّ كأحد من النساء ، كما أنّ الحميراء ما التزمت بهذا الشرط ، وخرجت على إمام زمانها ، وأشعلت نار الفتنة في البصرة ، وسوّدت تأريخها بعملها القبيح في الخروج على إمام المسلمين أمير المؤمنين عليهالسلام.
وغير خفيّ أنّ المراد من الإرادة الواقعة في آية : (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا) وآية (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) هو الإرادة التكوينية. وهذا يؤيد كون الإرادة في آية التطهير أيضا تكوينية ، فلا بدّ لنا حينئذ من بيان معنى الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية ، وأنّ القسمين استعملا في القرآن الكريم ، وبيان الشواهد على ذلك من الآيات الكريمة ، ثمّ تحقيق أنّ الإرادة الواقعة في آية التطهير من أيّ القسمين منهما فنقول :
الإرادة التكوينية عبارة عن حقيقة الإرادة والحمل الشائع عليها ، وتتعلق بتكوين الشيء وتحقّقه وإيجاده بالمباشرة من ذات الباري تعالى أو من فاعل مريد من البشر يريد أن يعمل عملا. يريد الإنسان أن يأكل فيتصوّر الشيء المراد والتصديق بفائدته ، فيحصل الميل والعزم ثمّ الشوق المؤكّد فيريده.
وهذه الإرادة التكوينية في حقّ الباري تعالى أمر ممكن ، ولكن فيه تعالى لا يمكن أن تبتني على المقدّمات المذكورة ، فإنّها في حقّه تعالى غير معقولة فإنّها توجب النقص في ذاته تعالى ، وهو محال. وأمّا حقيقة هذه الإرادة التي هي عين العلم وعين الذات فهي من صفات ذاته الأقدس.
فالإرادة التكوينية تتعلّق بفعل المريد ؛ فالله تعالى يريد خلق العالم أو وقوع الزلزلة وغيرها ، والإنسان يريد تعلّم العلم وأكل الغذاء وشرب الماء ، ولكن مع الفرق البين بينهما ، فإنّ الإرادة التكوينية في الله تعالى لا تتخلّف عن المراد ، وكلّ ما أراد يتحقّق المراد في الخارج من غير حالة منتظرة ، وأمّا في الإنسان تتخلّف عن المراد ، فإنّه يمكن أن يريد شيئا ولا يقع في الخارج لعلّة ، فالتفكيك يقع بين إرادة الإنسان ومراده.