وأضف إلى ذلك أنّ الأمة الإسلامية أجمعت على أن الآية الشريفة من قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ...) إلى آخرها نازلة منفردة لا منضمّة إلى الآيات السابقة واللاحقة الراجعة إلى الزوجات ، وإيقاع الآية الشريفة بينها منضمّة إليها إنّما هو بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله فإنّ ترتيب الآيات القرآنية كان بأمره صلىاللهعليهوآله ، ولإيقاعها بينها نكتة شريفة أشار إليها الطحاوي من علماء العامة في كتابه مشكل الآثار وقال : إن قال قائل : إنّ قبل آية التطهير وما بعدها في حقّ الزوجات ، فإنّ الخطابات إليهنّ فالخطاب في آية التطهير أيضا لهنّ ، ثمّ قال في جوابه : إنّ الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، خطاب لأزواجه ، ثمّ أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية فجاء على خطاب الرجال ؛ لأنّه قال فيه : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ) وهكذا خطاب الرجال ، وما قبله فجاء به بالنون ، وكذلك خطاب النساء ، فعقلنا أنّ قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، خطاب لمن أراده من الرجال بذلك ، ليعلمهم تشريفه لهم ورفعه لمقدارهم أن جعل نساء هم ممّن قد وصفه لما وصفه به ممّا في الآيات المتلوّة قبل الذي خاطبهم به تعالى (١).
وتوضيح مرامه أنّ آية التطهير ليست في حقّ الزوجات ، وإنّما هي خطاب لأهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله أصحاب الكساء ، وإنّما وقعت الآية بين الآيات الواقعة في الخطاب بها للأزواج ؛ تشريفا لأصحاب الكساء وترفيعا لرتبتهم وإيذانا لهنّ أنّ مقامكنّ لا يصل إلى رتبتهم لرفعة مقامهم وعلو شأنهم فإنّ أصحاب الكساء مطهّرون نقيّون من الأرجاس كلّها بالإرادة الإلهية ، وإنّكن لستنّ مثلهم ؛ ولذا جاءت الخطابات في الآيات الراجعة إليهنّ بالخطابات التي لا تليق بمقام من خوطب بآية التطهير ، كقوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) وكذا في الآيات التي بعدها ولا يليق ، لكن قياس أنفسكنّ لأصحاب الكساء ؛ فإنّ الله تعالى طهّرهم وأذهب عنهم الرجس ، فأنتنّ لاتصلن إلى مقامهم ورتبتهم ، فأنتنّ إن عملتنّ بالأحكام
__________________
(١) مشكل الآثار ، ج ١ ، ص ٣٣٨ ، طبعة حيدرآباد.