وقد نقل ذلك الاحتجاج بطوله ابن عبد ربّه الأندلسي في كتابه الخالد العقد الفريد : قال المأمون : يا إسحاق أيّ الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت : الإخلاص بالشهادة قال : أليس أسبق إلى الإسلام؟ قلت : نعم قال : فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام؟ قلت : إنّ عليا أسلم وهو حديث السنّ لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم قال : أخبرني أيّهما أسلم قبل ، ثمّ أناظرك من بعده في الحداثة والكمال قلت : عليّ أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة ، فقال : نعم فأخبرني عن إسلام عليّ حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوآله دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاما من الله؟ قال : فأطرقت فقال لي : يا إسحاق لا تقل إلهاما فتقدّمه على رسول اللهصلىاللهعليهوآله قلت : أجل ، بل دعاه رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الإسلام قال : فهل يخلو رسول اللهصلىاللهعليهوآله حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلّف ذلك من نفسه؟ فقال : لا تنسب رسول الله إلى التكلّف فإنّ الله يقول : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) قلت : بل دعاه بأمر الله قال : فهل من صفة الجبار جلّ ذكره أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت : أعوذ بالله فقال : أفتراه في قياس قولك يا إسحاق إنّ عليا أسلم صبيّا لا يجوز عليه الحكم ، وقد كلّف رسول الله دعاء الصبيان إلى ما لا يطيقونه ، فهو يدعوهم الساعة ويرتدّون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء ، ولا يجوز عليهم حكم الرسول صلىاللهعليهوآله أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عزوجل؟ قلت : أعوذ بالله قال : فأراك إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا على هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرف مكانه وفضله ، ولو كان الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا؟ قلت : بلى قال : فهل بلغك أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله دعا أحدا من الصبيان من أهله وقرابته لئلا تقول : إنّ عليا ابن عمّه؟ قلت : لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل قال : أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه؟ قلت : لا ، قال : فدع ما قد وضعه الله عنّا وعنك (١) ، نقلناه باختصار يسير.
__________________
(١) إن شئت التفصيل انظر العقد الفريد ، ج ٥ ، ص ٩٤ ـ ٩٥ ، طبعة القاهرة.