وفد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم ، وكان أعطى من العمر عمر سبعة أنسر ، فجعل يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر منها ما عاش ، فإذا مات أخذ آخر فربّاه حتّى كان آخرها لبد وكان أطولها عمرا. فقيل : طال الأبد على لبد.
قال لبيد :
لما رأى لبد النسور تطايرت |
|
رفع القوادم كالفقير الأعزل |
من تحته لقمان يرجو نهضه |
|
ولقد رأى لقمان ألّا يأتلي (١) |
كذا ذكر أبو حاتم قصة الأنسر ، والله العالم.
ويقال : إنّ لقمان هذا غير لقمان الحكيم المذكور في القرآن الكريم الذي كان على عهد النبي داود عليهالسلام كما عن شرح القاموس (٢) قال صدر المتألهين قدسسره في كتابه كسر أصنام الجاهلية. قد ذكر أهل التواريخ أنّ أول من وصف بالحكمة من البشر لقمان الحكيم ، والله يقول : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) وكان في زمن داود عليهالسلام ، وكان مقامه ببلاد الشام. وكان «إنباذقلس» الحكيم يختلف إليه على ما حكاه ويأخذ من حكمته. واليونانيّون كانوا يصفونه بالحكمة ؛ لمصاحبة لقمان. وطائفة من الباطنية تنتمي إلى حكمته ، وتقول بتفضيله ، وتدّعي أنّ له رموزا قلّما يوقف على منطواها ؛ إذ كان يتكلّم في خلقة العالم بأشياء توجد ظواهرها قادحة في أمر المعاد (٣).
وذكره قطب الدين الديلمي اللاهيجي (ره) في كتابه محبوب القلوب ، وذكر في حقّه قريبا ممّا نقلناه عن صدر المتألهين (٤) (ره).
قال شمس الدين السامي في كتابه الممتع قاموس الأعلام ـ باللغة التركية ـ : إنّ احتمال كون لقمان الحكيم من العرب أقرب إلى الصحّة. وذكر أنّه كان في جزيرة
__________________
(١) المعمّرون ، ص ٤ ـ ٥ ، طبعة مصر.
(٢) انظر المصدر السابق ، ص ٤.
(٣) كسر أصنام الجاهلية ، ص ٣٥ ، طبعة جامعة طهران سنة ١٣٤٠ ه ش.
(٤) محبوب القلوب ، ص ١٦ ، طبعة جامعة طهران سنة ١٣١٣.