وأنّه كان من شكوى بريدة الأسلمي وخالد بن الوليد ، وقد أخذ هذه الأكذوبة عن بعض من سبقه في هذه الأفائك كالحافظ بن كثير في كتابه البداية والنهاية وسياق عبارته أصدق شاهد على أنّ هذا الادّعاء من التخيّلات التي أوجدها في مخيّلته حيث لم يجد مفرّا لتأويل حديث الغدير إلّا أن ينحت سببا له ، وهو شكوى الجيش الذي رجع مع أمير المؤمنين عليهالسلام من اليمن (١).
قال ابن كثير : «وقد قال يونس عن محمد بن إسحاق : حدّثني يحيى بن عبد الله ابن أبي عمر ، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، قال : إنّما وجد (٢) جيش علي بن أبي طالب الذين كانوا معه باليمن ؛ لأنّهم حين أقبلوا خلّف عليهم رجلا وتعجّل إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآله قال : فعمد الرجل فكسى كلّ رجل حلّة فلما دنوا خرج عليهم [عليّ] يستقبلهم فإذا عليهم الحلل. قال علي : ما هذا؟ قالوا : كسانا فلان ، قال : فما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله فيضع ما شاء ، فنزع الحلل منهم ، فلمّا قدموا على رسول الله اشتكوه لذلك ، وكانوا قد صالحوا رسول الله وإنّما بعث عليا إلى جزية موضوعة».
ثمّ قال ابن كثير بعد نقل ذلك : «قلت : هذا السياق أقرب من سياق البيهقي ، وذلك أنّ عليا سبقهم لأجل الحجّ وساق معه هديا وأهلّ بإهلال النبيّ صلىاللهعليهوآله فأمره أن يمكث حراما ... إلى أن قال : والمقصود أنّ عليا لمّا كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه ، وعليّ عليهالسلام معذور فيما فعل ، لكن اشتهر الكلام في الحجيج ، فلذلك ـ والله أعلم ـ لمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوآله من حجّته وتفرّغ من مناسكه ورجع إلى المدينة فمرّ بغدير خم ، قام في الناس خطيبا فبرّأ ساحة عليّ ورفع من قدره ونبّه على فضله ، ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس» (٣). هذا كلامه بعين ألفاظه.
__________________
(١) مختصر التحفة ، ص ١٦٢ ، طبعة سنة ١٣٧٣ ـ القاهرة.
(٢) في التيمورية : وجه وهو تصحيف ، ووجد هنا بمعنى غضب.
(٣) البداية والنهاية ، ج ٥ ، ص ١٠٦ ، طبعة بيروت.