في جهنّم» (١) فهل يوجد مسلم عاقل ينسب هذه الاحتمالات والأسئلة التي ذكرناها إلى قدس رسول الله صلىاللهعليهوآله؟. حاشا وكلّا.
ولقد أجاد من قال : إنّ مقتضى العقل والنقل عدم جواز إهمال رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر الخلافة من بعده ، ولا يمكن أن يرتحل إلى لقاء الله تعالى قبل أن ينصب وصيّه وخليفته ، وهو صلىاللهعليهوآله يعلم شدّة الخلاف بين الأمّة بل وتلاعب المنافقين من أصحابه بالشريعة في حياته ، فكيف بهم بعد وفاته ، وكان يعلم أنّه سوف يموت عن أناس لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، وعلم ـ بالضرورة من الوحي ـ شقاق بعض أصحابه ونفاقهم ، وارتداد ثلّة منهم ، وانقلابهم على أدبارهم.
وأمّا إيكال الأمر في اختيار الخليفة إلى أصحابه فإنّما هو تضييع للشريعة ، وإيقاع لها ولهم في المفسدة ؛ لأنّ الآراء مختلفة والرغبات متضاربة ، وقد أفصح عن ذلك خلاف الأنصار والمهاجرين يوم السقيفة ، وتخلّف أمير المؤمنين عليهالسلام وبني هاشم ومتابعيهم عن الدخول في البيعة ، وما حدث يومئذ من النزاع والخصام.
ومن هنا قال عمر بعد السقيفة : «كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها» وقال أمير المؤمنين عليهالسلام لعمر لما قهره عمر على البيعة : «احلب حلبا لك شطره» وقد عرف عمر أنّ الأصحاب لا يتّفقون فيما بينهم على رأي واحد كما في الستّة الذين جعلهم من أصحاب الشورى بعده ـ مع قلة عددهم ، وثقة الأمّة بهم ـ فحكم بالأخذ بجانب الأكثر منهم ، ومع التساوي في عدد المختلفين ، جعل الترجيح في الجانب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف ، ومع الاختلاف أمر بضرب عنق المتخلّف منهم. وطعن أمير المؤمنينعليهالسلام في هذه الشورى ، بقوله : «فيا لله وللشورى ... فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره ... مع هنّ وهنّ ...»
وأخيرا ناقشت الصحابة أعمال عثمان ، وانتقدوا تصرّفاته ، فخلعوه وقتلوه بأنفسهم كما نصبوه بأنفسهم ، ثمّ خرجوا على أمير المؤمنين عليهالسلام وبغوا
__________________
(١) تقوية الإيمان ، ص ٩٠ ، طبعة صيدا.