فهل التمايلات النفسانية وجلب المنافع الشخصية وحبّ الرئاسات الدنيوية لا تمنعهم عن التبعية بتلك المصالح؟ فهل عقل الكلّ وخاتم الرسل لم يتصوّر ولم يتعقّل ـ العياذ بالله تعالى ـ هذه الأسئلة التي أو عزنا إليها. فما لكم كيف تحكمون؟
فلا ينسب ذو شعور إلى النبيّ الخاتم صلىاللهعليهوآله أن يرحل من الدنيا من دون أن يعيّن لنفسه وصيا بعد رحلته وإماما لأمّته بعد وفاته مع أنّ الكتاب الكريم الذي جاء به من عند الله تعالى يقول : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ويقول : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فمن هو الهادي للمسلمين بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ فهل الهادي لهم بعده أولئك الجاهلين والظالمين؟ فمن الهادي منذ زمن رحلته صلىاللهعليهوآله إلى اليوم؟ فهل لا احتياج للأقوام من المسلمين في هذه القرون بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الهادي لهم ، يهديهم إلى الصراط السوى؟ فهل الهادي لهم ملوك بني أمية اللعناء تلك الشجرة الملعونة؟ أو الهادي لهم ملوك بني العباس أو الظالمين من الملوك الجبابرة الذين تسلّطوا على البلاد الإسلامية وصاروا مالكي رقاب الأمم باسم الدين وارتكبوا أنواع الجنايات ، وسوّدوا وجه تاريخ البشرية بها ، والقرآن الكريم يقول : (لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) فهل أولو الأمر الذين أمرنا الله تعالى بطاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله يراد منهم هؤلاء الظالمون؟
فإن قيل : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله فوض تعيين الإمام بعد وفاته إلى انتخاب أمّته واختيارهم.
قلنا : تترتّب على هذا الادّعاء إن كان الأمر كذلك مفاسد كثيرة لا نطيل الكلام بذكرها ، مع أنّها مذكورة في الكتب الكلامية لأصحابنا الإمامية ، ولكن نقول : إن بناء على ما ذكرته فالباعث للاختلاف بين الأمّة ، والموجب لاشتعال نار الفتنة بينهم ، هو نفس رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ العياذ بالله ـ وهو الباعث على أنّ الأمّة افترقت بعده بثلاث وسبعين فرقة ، وهو الذي صار سببا لإراقة الدماء في تعيين الإمام ، وهو السبب الوحيد أن يتصدّى معاوية ونظائره مع الدكتاتورية الغاشمة والاستبداد والقهر والغلبة لإمامة المسلمين وإمارتهم ، مع أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال في حقّه : «معاوية في تابوت مقفل عليه