النبيّ ، ويقف متباعداً كما يقف لو ظهر في حياته بخشوع وسكون منتكس الرأس ، غاضّ الطرف ، متحضّراً بقلبه جلالة موقفه ثمّ يقول :
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا نبيّ الله وخيرته من خلقه ، السلام عليك يا سيّد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، أشهد أنْ لا إله إلّا الله وأشهد أنّك رسول الله ، أشهد أنّك قد بلّغت رسالات ربك ، ونصحت لأُمتك ، ودعوت إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعبدت الله حتّى أتاك اليقين ، فجزاك الله أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أُمّته اللهمّ آته الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً ...» (١).
٢٢ ـ ألّف الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي (ت ٧٥٦ ه) كتاباً حافلاً في زيارة النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآله وأسماه «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» ردّاً على ابن تيمية ، وممّا قال فيه : لا حاجة إلى تتبّع كلام الأصحاب في ذلك مع العلم بإجماعهم وإجماع سائر العلماء عليه. والحنفية قالوا : إنّ زيارة قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله من أفضل المندوبات والمستحبّات ، بل تقرّب من درجة الواجبات ، وممّن صرّح بذلك منهم أبو منصور محمد بن مكرم الكرماني في مناسكه ، وعبد الله بن محمود بن بَلَدحي في شرح «المختار» وفي فتاوى أبي الليث السمرقندي في باب أداء الحجّ (٢).
ثمّ قال : وكيف يتخيّل في أحد من السلف نهيهم عن زيارة المصطفى صلىاللهعليهوآله وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى ، فالنبيّ صلىاللهعليهوآله وسائر الأنبياء الّذين ورد فيهم أنّهم أحياء كيف يقال فيهم هذه المقالة (٣) وحكى عن القاضي عياض وأبي زكريا
__________________
(١) الصارم المنكي في الردّ على السبكي : ص ١٦ ـ ١٧ ، الطبعة الأُولى ١٩٩٢ مؤسسة الريان ـ بيروت. ولو صحّ ما نقله يحمل على تبدّل الاجتهاد والمعروف أنه نهى عن السفر للزيارة لا عن أصلها. وسيوافيك بعض شبهاته.
(٢) شفاء السقام : ص ٦٦ ، طبع دار الجيل.
(٣) المصدر نفسه : ص ٧٩.