والبادية ، وقد تكرّرت سفراته إلى الشام ، وكلّ إنسان كان هذا شأنه يعرف أنّ النخيل لا يثمر إلّا بالتلقيح ، فما معنى سؤاله ما يصنع هؤلاء؟! فيجيبونه بقولهم : إنّهم «يلقحونه» أفيمكن أن يكون هذا الشيء البسيط خفيّاً على النبيّ؟!
ثانياً : كيف يمكن للنبي النهي عن التلقيح وهو سنّة من سنن الله في عالم الحياة ، وقال سبحانه : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (١) ومع ذلك فكيف يقول : «ما أظنّ يغني ذلك شيئاً»؟!
ثالثاً : إنّ الاعتذار الوارد في الرواية يُسيء الظنّ بكلّ ما يقوله النبيّ الأكرم ، فإن كان المخبر بهذه الدرجة من العلم ؛ فكيف يمكن الاعتماد بما يُخبر عن الله سبحانه؟! كلّ ذلك يسيء الظن بكلّ ما يذكره بلسانه ويخرج من شفتيه ، والأسوأ من ذلك ما نُسب إليه من الاعتذار بقوله : «وإذا حدّثتكم عن الله شيئاً فخذوا به ، فانّي لن أُكذب على الله عزوجل» ، لأنّ فيه تلميحاً إلى أنّه ـ والعياذ بالله ـ يكذب في مواضع أُخر.
فلو اعتمدنا على هذه الرواية ونظائرها في بناء العقيدة ، فستكون النتيجة أنّ النبي ربّما يكون جاهلاً بأبسط السنن الجارية في الحياة ، فهل يصحّ التفوّه بذلك؟
٢ ـ لو كان الحديث الأوّل يحطّ من منزلة النبيّ الأكرم ، فالحديث الثاني يحطّ من مكانة الكليم موسى عليهالسلام. فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما بالاسناد إلى أبي هريرة ، قال : لمّا جاء ملك الموت إلى موسى عليهالسلام فقال له : أجب دعوة ربّك ، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ، قال : فرجع الملك إلى الله تعالى ، فقال : إنّك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت ، ففقأ عيني ، قال : فردّ الله إليه عينه ، وقال : ارجع إلى عبدي فقال : الحياة تريد ، فإن كنت تريد الحياة ، فضع يدك على متن
__________________
(١) فاطر : ٤٣.