المشبه به ترشيحا
وهو قوله : «فسلكته خواطر الأفكار» : أي الخواطر التي هي الأفكار فالإضافة فيه
للبيان لأنّ الفكر ما خطر بالبال ، وإنما كان ذلك ترشيحا لأن السلوك هو المرور مما
يلائم المستعار منه وهو الطريق.
ولفظ : فسلكته إن
أريد تشبيه الخواطر بالشخوص السالكة على جهة الاستعارة بالكناية فهو استعارة
تخييلية ، وإن أريد تشبيه التفكر في الصنع بالسلوك في الطريق بجامع الإيصال إلى
المطلوب فهو استعارة تصريحية تبعية ، لأن الاستعارة في الفعل وشبهه كاسم الفاعل
وسائر الصفات وفي الحرف تابعة للاستعارة في المصدر وفي معنى الحرف والله أعلم.
«تؤمّ إشراق شموس
البديع من عجيب صنعته» : أي تقصد بالتفكر إلى مصنوعه الذي هو مثل الشمس في وضوح
دلالته على الباري وعلى حكمته جلّ وعلا ، وهو تشبيه مؤكد ، أي بدائع كالشموس في
الهداية والدلالة على المراد والله أعلم.
«فوافتها» : أي
وافت خواطر الأفكار صنعته العجيبة أي وجدتها «ناطقة بلسان تطريزها المحكم» :
التطريز الأعلام ، يقال : طرّز الثوب تطريزا أي أعلمه أي جعل فيه العلم ، والمحكم
المتقن الممنوع من الفساد ، والمعنى : أن تلك الأفكار لما سلكت ذلك النهج
الذي كشفت غياهبه لها الأنوار وافت دقائق المصنوعات دالة أوضح دلالة بما أودع فيها
من العلامات الشاهدة باعترافها بموجودها وحكمته ، وهو الله سبحانه وتعالى ، شبّه
دقائق المصنوعات بالعلم في الثوب الذي له صورة مخصوصة مخالفة لسائر أجزاء الثوب ،
وفيه مزيد تأنّق وعناية ، إذ لا يقال الطراز في العرف إلّا لذلك على طريق
الاستعارة المصرحة ، وشبّه ذلك الطراز بإنسان متكلم على طريق الاستعارة بالكناية ،
فأثبت له اللسان الذي به قوامها.
وقوله ناطقة :
ترشيح باق على معناه اللغوي والله أعلم.
«إنه» أي الله
سبحانه «المنشئ لها» : أي الذي جعلها شيئا وأوجدها
__________________