يأكل ما يجد ويطلب ما لا يوجد فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي «فأمّا السب فسبّوني فهو لي زكاة) أي تطهرة أي كفارة» للذنوب (ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرءوا منّي فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة) انتهى كلامهعليهالسلام وهو يريد بالرجل معاوية بن أبي سفيان فإنه سبّ عليّا كرم الله وجهه في الجنة وأمر بسبه واستمر ذلك مدة طويلة نحوا من ثمانين سنة فكان يسبّ على ثمانين ألف منبر وجعل ذلك السّبّ سنّة.
وإنما منع عليهالسلام من البراءة منه مع الإكراه لأن البراءة من أفعال القلوب وهم لا يغلبون عليها بخلاف السّبّ باللسان.
«وإن كان» المجني عليه «ذا كبيرة» أي صاحب معصية كبيرة «فلا يزاد على إخباره» بأن المتعدّي عليه بالجناية قد زيد في عذابه بقدر جنايته عليه ولا ثواب للمجني عليه ولو صبر لأنه لا يتقبل عمله مع عصيانه لقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (١) ولا عوض له أيضا «لانحباط العوض بمنافاته العذاب كما مر» من الأدلة على بطلان العوض في حق صاحب الكبيرة.
قلت : لفظ الهادي عليهالسلام قد أثبته في الشرح ، ومعناه ما ذكره الإمام عليهالسلام سواء إلّا أنه ساقه في جواب من سأله عمّن ظلم في الدنيا من دراهم ودنانير والجناية بالألم مثل ذلك.
قال الإمام عليهالسلام «ويمكن أن يجعله الله» أي الألم أو الغم الواقع على صاحب الكبيرة «تعجيل» بعض «عقوبة» في حقه «فلا يخبر» بأنه قد زيد في عذاب من جنى عليه «كما فعل الله ببني إسرائيل حين سلط عليهم بخت نصّر فقال تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) (٢) فإن تسليط بخت نصر عليهم والتخلية بينهم وبينه عقوبة لهم على ما اقترفوه من قتل أنبيائهم وسائر عصيانهم كما أخبر الله سبحانه وتعالى.
__________________
(١) المائدة (٢٧).
(٢) الإسراء (٥).