قال : والمطرفية لا يرجعون في نفيهم الآلام عن الله سبحانه إلى أصل معيّن فيتعين الكلام عليهم ، لأنهم ربّما رجعوا بالآلام إلى إحالات الأجسام وتأثيرات الطبائع وهذا يدخل الكلام عليه تحت الكلام على الطبائعية ، وربّما أضافوا الآلام إلى الشيطان ، وهذا يدخل في مقالة المجوس.
قال : والذي يدل على بطلان قول أهل هذه المقالات جميعا : أن هذه الامتحانات حوادث ولا بدّ لكل محدث من محدث ، ويستحيل أن يكون حدوثها من جهة القادرين بقدرة لأنها لا تدخل تحت إمكانهم ولا تحصل بحسب إرادتهم ولا تنتفي بحسب كراهتهم ولأنّهم لو قدروا عليها لقدروا على أضدادها ولأنّ القدرة على الشيء هي القدرة على ضدّه بدليل أن القدرة على الحركة قدرة على السكون ولهذا يصح من أحدنا أن يفعل أحدهما بدلا من (١) الآخر.
وأما أنهم لا يقدرون على أضدادها : فلأنّا نعلم من العليل أنه مجتهد في برء نفسه فلو كان البرء مقدورا له ما أخّره ساعة واحدة.
وأمّا الطبائع وإحالات الأجسام وانحراف الأمزجة : فلأنها غير حيّة ولا قادرة والفعل لا يصح إلّا من حيّ قادر على ما أجمع عليه أهل الإسلام.
قال : وإن رجع بالإحالة إلى أمر محدث فالمحدث هو الأجسام والأعراض ولا يجوز حصولها من جهة الأجسام.
أما الجماد فظاهر ، وأما الحيوان فلأنه قادر بقدرة والقادر بقدرة لا يعدّي الفعل إلى غيره إلّا بأن يعتمد في جسم يوصله إليه لأن الاختراع عليه في غير جسم مستحيل (٢) ، ونحن نعلم أن هذه الآلام وقعت علينا من غير اعتماد من غيرنا عدّاها في جسم إلينا يعلم ذلك كل عاقل ، وبهذا يبطل قول المجوس إن الآلام من الشيطان ، وأما الأعراض فإنه يستحيل تأثيرها لأنها ليست حيّة ولا قادرة لما مرّ في المؤثرات.
__________________
(١) (ض) عن.
(٢) (ض) يستحيل.