«وإن سلم» أن كون الاسم دالّا على أنّ مسمّاه معلوم يكفي في جواز إطلاقه على الله فلا نسلم لكم أن لفظ شيء يفيد ذلك في حق الله تعالى إذ «لم يفد» أي لفظ شيء «كونه تعالى معلوما إلّا مع قيد لا كالأشياء» وأما بغير ذلك القيد فلا يفيد كونه تعالى معلوما لأنه لا يعرفه إلّا من لم يشبّهه» تعالى بغيره.
ولفظ شيء لا يدل على أنه شيء ليس كمثله شيء بل هو محتمل للجسم والعرض وغيرهما فلم يفد لفظ شيء كون الله تعالى معلوما البتة.
وقال «أبو علي وأبو عبد الله البصري» من المعتزلة وغيرهما : «بل» إنما يجوز أن يجري لفظ شيء اسما لله تعالى «سمعا فقط» لا عقلا فلو لم يرد به السمع لم يجز إطلاقه عليه «إذ هو كاللقب» واللقب هو الاسم الموضوع لتعيين مسمّاه من غير أن يدل على معنى فيه كالعلم عند النحاة نحو زيد وعمرو وفرعون وإبليس ولا معنى له سوى تمييز الأشخاص وتعيينها فهو لتمييز الغائب وتشخيصه كالإشارة الحسيّة إلى الحاضر ولهذا لا يجري اللقب على الله تعالى اتفاقا لمّا لم يفد مدحا.
«قلنا : يمتنع» إطلاق لفظ شيء على الله تعالى بغير قيد عقلا وسمعا «لأنه لا يفيد كونه تعالى معلوما من غير قيد ولا تضمّن مدحا وليس بعلم» أي ليس بلقب «فلم يفد» في حقه تعالى فائدة «والحكيم لا يخاطب إلّا بالمفيد» إذ هو مقتضى الحكمة «و» أما ما احتجوا به من السمع مثل «قوله تعالى : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فإنه «عام للأشياء المتشابهة» من سائر المخلوقات «و» الشيء «الذي ليس كالأشياء» وهو الله سبحانه وتعالى فهو في المعنى مقيّد ولكنه لمّا كان المقصود بشيء في هذا الموضع العموم لم يمكن ذكر القيد الذي لبعض الأشياء لدخوله في ضمن الشيء الذي ليس بمقيد.
وكذلك كل لفظ عام لما هو مقيد في المعنى وما هو غير مقيد إذا أتي به وأريد به العموم فإنه لا يمكن ذكر القيد وإن كان القيد مقصودا في المعنى كقوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ) أيّ أيّ شيء من الأشياء المتشابهة والشيء الذي ليس كالأشياء.