فقال له إسحاق : لا تحدّث بكتب الشّافعيّ ما دمت هنا. فأجابه ، فلم يحدّث بها حتّى خرج (١).
قلت : ترى من كان يكتب عن رجل ، عن آخر ، عن الشافعيّ ، مع وجود إسحاق. وفي نفسي من صحّة ذلك.
وقال داود الظّاهريّ : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : ما كنت أعلم أنّ الشّافعيّ في هذا المحلّ ، ولو علمت لم أفارقه (٢).
وقال محمد بن إبراهيم البوشنجيّ : قال إسحاق : قدمت مكّة فقلت للشافعيّ : ما حال جعفر بن محمد عندكم؟
فقال : ثقة ، كتبنا عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عنه ، أربعمائة حديث (٣).
وقال يونس بن عبد الأعلى : سمعت الشافعيّ يقول : ما رأيت أفقه من ابن عيينة ، أمسكت عن الفتيا منه (٤).
ونقل أبو الشيخ بن حبّان وغيره من وجه أنّ الشافعيّ لمّا دخل مصر أتاه جلّة أصحاب مالك ، وأقبلوا عليه ، فلمّا رأوه يخالف مالكا وينقض عليه تنكّروا له وجفوه ، فأنشأ يقول :
أأنثر درّا بين سارحة النّعم؟ |
|
أأنظم منثورا لراعية الغنم؟ |
لعمري لئن ضيّعت في شرّ بلدة |
|
فلست مضيعا بينهم غرر الكلم (٥) |
فإن فرّج الله اللّطيف بلطفه |
|
وصادفت أهلا للعلوم والحكم |
بثثت مفيدا واستفدت ودادهم |
|
وإلّا فمخزون لديّ ومكتتم |
ومن منح الجهّال علما أضاعه |
|
ومن منع المستوجبين فقد ظلم |
__________________
(١) آداب الشافعيّ ٦٤ ، ٦٥ ، مناقب الشافعيّ للبيهقي ١ / ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، حلية الأولياء ٩ / ١٠٢ ، ١٠٣ ، تاريخ دمشق ١٥ / ٤ ب ، توالي التأسيس ٧٦.
(٢) مناقب الشافعيّ للبيهقي ١ / ٢٦٥.
(٣) آداب الشافعيّ ١٧٧ ، الجرح والتعديل ٢ / ٤٨٧ ، مناقب الشافعيّ للبيهقي ١ / ٥٢٣.
(٤) آداب الشافعيّ ٢٠٦ ، مناقب الشافعيّ للفخر الرازيّ ١٧ ، تقدمة المعرفة ١ / ٣٢ ، ٣٣ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٢٤.
(٥) في سير أعلام النبلاء ١٠ / ٧١ «غرر الحكم».