ومن حكمته تعالى : أن جعل [في مقدّم فم الإنسان] (١) حدادا لقطع الغذاء ، وفي مؤخّره عراضا لطحنه ، وجعل للعينين أهدابا تقيها ممّا يلاقيها من المؤذيات لها ، وكذلك جعل الأظفار في رءوس الأنامل ، ليكون دعامة لها ، لئلّا تحفى.
وأمّا المقدّمة الثّانية ـ وهي أنّ كلّ من صدر منه الأفعال المحكمة المتقنة ، فهو عالم ـ : فلأنّه معلوم بالبديهة (٢) لكلّ عاقل ؛ فإنّ كلّ عاقل يجزم بأنّ الكتابة المحكمة لا تصدر إلّا من عالم بها ، وكذا (٣) باقي الصّناعات.
قال «قدّس الله روحه» :
ويجب أن يعتقد أنّه تعالى حيّ ، لأنّ معنى الحيّ ، هو : الّذي يصحّ منه أن يقدر ويعلم. وقد بيّنا أنّه تعالى قادر عالم (٤) ، فيكون حيّا بالضّرورة.
أقول : معنى الحيّ ، هو : الّذي يصحّ منه أن يقدر ويعلم ، وقد ثبت أنّه تعالى قادر عالم ، فيكون حيّا بالضّرورة ، لأنّ غير الحيّ يستحيل أن يكون قادرا عالما بالضّرورة.
قال «قدّس الله روحه» :
ويجب أن يعتقد أنّه تعالى قادر على كلّ مقدور ، [و] عالم بكلّ معلوم ، لأنّ نسبة المقدورات إليه على السّويّة (٥) ، لأنّ المقتضي لاستناد الأشياء إليه هو الإمكان ، وجميع الأشياء مشتركة في هذا المعنى ، وليس علمه ببعض الأشياء أولى من علمه بالبعض الآخر ؛ فإمّا أن لا يعلم شيئا منها ـ وقد بيّنّا استحالته ـ [أو يعلم البعض دون البعض ، وهو ترجيح من غير مرجّح] ، أو يعلم الجميع ، وهو المطلوب.
__________________
(١) «ج» : الأسنان في مقدّم الفم.
(٢) «ج» : بالبديهيّة.
(٣) «ج» : وكذلك.
(٤) راجع ص : ٥٦ و ٥٧.
(٥) «ج» : بالسّويّة.