وإذا كانت معرفة الله تعالى واجبة وهي لا تتمّ إلّا بالنّظر ، فيكون النّظر واجبا ، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب ، فثبت وجوب النّظر عقلا على كلّ مكلّف.
وأمّا كيفيّة النّظر والاستدلال به ؛ فيقول المكلّف : هذا العالم موجود ، وكلّ موجود [فهو] إمّا قديم أو محدث (١) ، لانحصار الموجود فيهما ؛ فالعالم لا يخلو : إمّا أن يكون قديما أو محدثا ، لا جائز أن يكون قديما ، فتعيّن أن يكون محدثا ، وإذا كان محدثا فهو مصنوع ، وكلّ مصنوع لا بدّ له من صانع بالضّرورة.
وإنّما قلنا : انّ العالم لا يجوز له أن يكون قديما ، لأنّ العالم : إمّا أجسام ، أو أعراض حالّة في الأجسام ، فلو كانت الأجسام قديمة ، لكانت في القدم حاصلة في مكان ، لأنّ ذلك لازم لها ، لأنّ وجود جسم لا في مكان محال ، وإذا كانت الأجسام في القدم في مكان ؛ فإمّا أن تكون ثابتة فيه أولا ؛ فإن كانت ثابتة فيه فهي السّاكنة ، وإن لم تكن ثابتة فيه فهي المتحرّكة ، فثبت أنّ كلّ جسم لا يخلو من الحركة والسّكون ، [فلو كان الجسم قديما لكان في القدم : إمّا ساكنا أو متحرّكا] ، والقسمان وهما : [كون الجسم] (٢) في القدم متحرّكا أو ساكنا ، باطلان.
أمّا بطلان الحركة ؛ فلأنّ ماهيّتها [أي : حقيقتها] تستدعي [أي : تقتضي] المسبوقيّة بالحصول الأوّل بالغير ، لأنّ الحركة عبارة عن الحصول الأوّل في المكان الثّاني ، فيكون مسبوقا بالحصول الأوّل [في المكان الأوّل] الّذي هو غيره ، والمسبوق بغيره لا يكون قديما ، لأنّ القديم هو : الّذي لا يسبقه غيره ، فلا يعقل قدم الحركة ، فثبت حدوث الحركة.
وأمّا السّكون ؛ فلأنّه عبارة عن الحصول الثّاني في المكان الأوّل ، والحصول الثّاني مسبوق بالحصول الأوّل الّذي هو غيره ، والمسبوق بغيره لا يكون قديما ، فثبت
__________________
(١) في النّسخة الحجريّة : حادث.
(٢) «ج» : كونه.