بها إلى معرفة
الأشياء أربعة : إمّا ضرورة ، أو خبر ، أو حسّ ، أو نظر ، وكلّ من الثّلاثة الاوّل
لا يصلح أن يكون طريقا إلى المعرفة ، فتعيّن الرّابع. أمّا أنّه تعالى لا يكون
معلوما بالضّرورة ؛ فلوجهين :
الأوّل
: انّ الحكم المعلوم
بالضّرورة من شأنه أنّ العاقل إذا تصوّر طرفيه جزم بالحكم من غير توقّف ولا طلب
دليل ، وليس كذلك العلم به تعالى ، وإلّا لما طلب الدّليل على ذلك.
الثّاني
: انّ من شأن
المعلوم بالضّرورة اتّفاق العقلاء فيه ، وقد وقع الخلاف بينهم فيه تعالى ، فإنّ طائفة من النّاس نفوا الصّانع ؛ كما حكى الله تعالى [عنهم في قوله تعالى] : (وَقالُوا ما هِيَ
إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) .
وباقي العقلاء
أثبتوا الصّانع ، ثمّ اختلفوا فيه ؛ فمنهم من اعتقد كونه جسما ، ومنهم من اعتقد
كونه ليس بجسم.
والّذين نفوا عنه
الجسميّة ؛ منهم من اعتقد أنّ له صفات زائدة على ذاته ، قديمة كقدمه ؛
ومنهم من نفى عنه ذلك ، وقال : إنّ صفاته غير زائدة على ذاته ؛ فلا يكون معلوما
بالضّرورة.
وأمّا أنّه لا
يكون معلوما بالحسّ أو الخبر ؛ فلأنّ كلّ واحد منهما إنّما يكون طريقا إلى العلم
بالمحسوسات ، والباري تعالى ليس بمحسوس ـ لما يأتي ـ فلم يبق إلّا أن يكون الطّريق
إلى معرفته النّظر.
__________________