وقد كان الشيخ الطوسي قائلاً بالصرفة ، ولكنه عدل عنه بعد ذلك ، كما يعترف به هو نفسه في كتابه « الإقتصاد » ، قال : « وأقوى الأقوال عندي قول من قال إنّما كان معجزاً خارقاً للعادة لاختصاصه بالفصاحة المفرطة في هذا النظم المخصوص ، دون الفصاحة بإنفرادها ، ودون النظم بانفراده ، ودون الصرفة . وإن كُنْتُ نصرتُ في شرح الجمل القولَ بالصَّرْفة على ما كان يذهب إليه المرتضى رحمه الله ، من حيث شرحت كتابه فلم يحسن خلاف مذهبه » (١) .
٨ ـ وقال ابن سنان الخفاجي : « إذا عدنا إلى التحقيق وجدنا إعجاز القرآن ، صرف العرب عن معارضته ، بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك » .
ثم قال : « إنّ الصحيح أنّ إعجاز القرآن هو صرف العرب عن معارضته ، وأنّ فصاحته كانت في مقدورهم لولا الصرف » .
وقال في موضع آخر : « متى رجع الإنسان إلى نفسه ، وكان معه أدنى معرفة بالتأليف المختار ، وجد في كلام العرب ما يضاهي القرآن في تأليفه » (٢) .
٩ ـ وبسط ابن حزم ( م ٥٤٨ ) الكلام في إعجاز القرآن ، وذكر لإعجازه خمسة وجوه وردّها ، وممّا قاله :
« والنحو الرابع : ما قالت طائفة : وجهُ إعجازه ، كونه في أعلى مراتب البلاغة . وقالت طوائف إنّما وجه إعجازه أنّ الله منع الخلق من القدرة على معارضته .
فأمّا الطائفة التي قالت إنّما إعجازه لأنّه في أعلى دَرْج البلاغة ، فإنّهم شغبوا في ذلك بأن ذكروا آيات منه مثل قوله تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) .
وَمَوّهَ بعضهم بأن قال : « لو كان كما تقولون من أنّ الله تعالى منع من
__________________
(١) الإقتصاد ، ص ١٧٣ .
(٢) سرّ الفصاحة ، ص ٨٩ ، وص ٢١٧ .