إنّ هنا تشكيكاً اختلقته بعض الطوائف (١) الخارجة عن الإسلام ، العميلة لأعدائه ، فقالت إنّ المراد من الخاتم في قوله ، عزّ من قائل : ( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ، الحِلْية التي يزيّن بها الإصبع . والمراد أنّ النبي الأكرم زينة النبيين ، كما أنّ الخاتم زينة يد الإنسان ، فهو بين تلك العصابة ، كالخاتم في يد لابسه .
وهذه شبهة واهية للغاية ، نجمت ـ إن لم تكن متعمدة ـ من الجهل باللغة العربية ، وذلك لوجوه :
أولاً ـ إنّه لم يعهد إستعارة الخاتم في اللغة العربية ، للزينة ، فلا يقال إنّه خاتم القوم ، أي زينتهم وحليتهم ، فكيف يستعيره القرآن في هذا المعنى ، وهو في قمة البلاغة ؟! .
وثانياً ـ لو كان الهدف تشبيه النبي بالخاتم في كونه حلية ، لكان المناسب أن يشبهه بالتاج والإكليل ، إذْ هما أبلغ في بيان المقصود ، أعني الزينة .
وثالثاً ـ إنّ الخاتم ليس له إلّا أصل واحد ، وهو ما يختم به ، ولو استعمل في حلية الإصبع ، فذلك من باب إطلاق الكلّي على الفرد ، لأنّ الدارج في عهد الرسالة إنهاء الكتاب بالخاتم ، فكانت خواتمهم أختامهم ، لا أنّه وُضع لحلية الإصبع وضعاً على حدة .
ويدلّ على ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته ، من أنّ رسول الله أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وكتب إليهم كتبا ، فقيل يا رسول الله : إنّ الملوك لا يقرأون كتاباً إلّا مختوماً ، فاتّخذ رسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ ، خاتماً من فضة ، فَصُّهُ منه (٢) ، نقشه ثلاثة أسطر :
« محمد » ، « رسول » ، « الله » ، وختم به الكتب (٣) .
__________________
(١) كالبهائية والقاديانيّة .
(٢) كذا في النسخة ، والأَوْلى : « منها » ، ولعل التذكير باعتبار رجوع الضمير إلى الخاتم .
(٣) الطبقات الكبرى ، ج ١ ، ص ٢٤٨ . ولاحظ مقدمة ابن خلدون ج ١ ، ص ٢٢٠ ، تجد فيه بسطاً في الكلام .