عينيه ، فنظر إليها وقال : هذه الكلمة التي قلتموها فنقّضت لها الغرفة؟ قلنا : نعم ، قال : وكذلك إذا قلتموها في بلادكم نقّضت لها سقوفكم؟ قلنا : لا ، وما رأيناها صنعت هذا قطّ ، وما هو إلّا شيء وعظت به ، قال : فالتفت إلى جلسائه فقال : ما أحسن الصّدق ، ثمّ أقبل علينا فقال : والله لوددت أنّي خرجت من نصف ملكي وأنّكم لا تقولونها على شيء إلّا نقض لها ، قلنا : ولم ذاك؟ قال : ذلك أيسر لشأنها وأحرى أن لا تكون من النّبوّة (١) وأن تكون من حيلة النّاس.
ثم قال لنا : فما كلامكم الّذي تقولونه حين تفتتحون المدائن؟ قلنا : (لا إله إلّا الله والله أكبر) ، قال : تقولون (لا إله إلّا الله) ليس معه شريك؟ قلنا : نعم ، قال : وتقولون (الله أكبر) أي ليس شيء أعظم منه ، ليس في العرض والطّول؟ قلنا : نعم ، وسألنا عن أشياء ، فأخبرناه ، فأمر لنا بنزل كثير ومنزل ، فقمنا ، ثم أرسل إلينا بعد ثلاث في جوف اللّيل فأتيناه ، وهو جالس وحده ليس معه أحد ، فأمرنا فجلسنا ، فاستعادنا كلامنا ، فأعدناه عليه ، فدعا بشيء كهيئة الرّبعة العظيمة مذهّبة ، ففتحها فإذا فيها بيوت مقفلة ، ففتح بيتا منها ، ثمّ استخرج خرقة حرير سوداء.
فذكر الحديث نحو ما تقدّم. وفيه : فاستخرج صورة بيضاء ، وإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنّما ننظر إليه حيّا ، فقال : أتدرون من هذا؟ قلنا : هذه صورة نبيّنا صلىاللهعليهوسلم ، فقال : الله بدينكم إنّه لهو هو؟ قلنا : نعم ، الله بديننا إنّه لهو هو ، فوثب قائما ، فلبث مليّا قائما ، ثمّ جلس مطرقا طويلا ، ثمّ أقبل علينا فقال : أما إنّه في آخر البيوت ، ولكنّي عجّلته لأخبركم وانظر ما عندكم ، ثمّ فتح بيتا ، فاستخرج خرقة من حرير سوداء فنشرها ، فإذا فيها
__________________
(١) في «دلائل النّبوّة» للبيهقي : (من أمر النّبوّة).