موجودة. فقبل اتصاف تلك الماهية بالوجود نحن نتصور ماهية الوجود ، ونميز فى أذهاننا بين مسمى الوجود وبين مسمى الجوهر والسواد. ولذلك فان الخصم يقول : مسمى الجوهر والسواد ثابت فى العدم ، ومسمى الوجود غير ثابت فى العدم. فثبت : أنا نتصور ماهية الوجود وحقيقته قبل صيرورة الماهية موصوفة بالوجود. فلو لزم من مجرد هذا التمييز الذهنى والشعور العقلى ، كون المشعور به حاصلا فى العدم ، لزم كون ماهية الوجود متقررة فى العدم. وذلك محال. لأن العدم نقيض الوجود. والنقيضان لا يجتمعان ولأن الخصم أيضا يساعد على أن ماهية الوجود غير متقررة فى العدم.
الصورة السادسة : نحن نعقل الماهية المؤثرية ، وماهية المتأثرية ، ونميز بين كل واحد منهما وبين الآخر ، وبينهما وبين غيرهما. مع أن الخصم يساعد على أن المعدوم لا يكون مؤثرا ولا متأثرا ، ولا يتقرر حال العدم بمسمى المؤثرية ومسمى المتأثرية. فالشعور الذهنى والادراك العقلى حاصل. مع أن المشعور به غير حاصل. وكذا كون الشيء فوق غيره وتحت غيره ويمينا وشمالا. ويدخل فيه جميع النسب والاضافات.
واذا عرفت هذا فنقول : تعنى بكون المعدوم معلوما ، هذا القدر من التمييز الذهنى الحاصل فى هذه الصورة ، أم تعنى به أمرا وراء هذا القدر؟ فان عنيت به الأول تعذر الاستدلال بكونه معلوما (١٠) على كونه شيئا ، لأن هذا القدر من المعلومية حاصل فى هذه الصور ، مع أنها ليست بماهيات ولا ذوات ولا حقائق بالاتفاق. وان عنيت يكون المعدوم معلوما ، أمرا وراء هذا القدر ، فلا بد من تفسير كون المعدوم معلوما ، ثم اقامة الدلالة على كونه معلوما بذلك التفسير. فانا من وراء النزاع فى المقامين. واعلم : أنك متى أوردت هذا السؤال على هذا الوجه ، ضاق الكلام على الخصم جدا.
__________________
(١٠) معدوما : ب.