واجبا ، أو لا. فان كان واجبا كان فعل العبد اضطراريا ، لأن حصول القدرة والداعى ليس بالعبد ، والا لزم التسلسل. واذا كان كذلك فعند حصولهما يكون الفعل واجبا ، وعند ما لا يكونان حاصلين كان الفعل ممتنعا ، فكان الاضطرار لازما لا محالة.
وأما ان لم يكن حصول الفعل عند حصول القدرة والداعى واجبا ، فاما أن يتوقف رجحان الفعل على الترك على مرجح أو لا يتوقف. فان توقف كان حصول ذلك الفعل عند حصول ذلك المرجح واجبا. وإلا عاد الكلام الأول ولزم التسلسل. واذا كان واجبا عاد القول بأن حصول الفعل عند حصول القدرة والداعى اضطرارى. وأما ان لم يتوقف رجحان الفعل على الترك على مرجح ، كان رجحان الفعل اتفاقيا ، بمعنى أنه اتفق حصول هذا الرجحان ، لا لمؤثر أصلا ، فلا يكون ذلك الرجحان من العبد. فثبت : أن أفعال العباد اما اضطرارية واما اتفاقية. واذا كان كذلك وجب أن يكون القول بالحسن والقبح العقلى باطلا.
أما على قولنا فظاهر ، وأما على قول المعتزلة فلأن كل واحدة من هاتين الحالتين ينافى الاختيار ، وعند فقدان الاختيار لا يبقى الحسن والقبح.
فان قيل : فهذا الكلام بتمامه قائم فى الغائب ، فينبغى أن لا يصدر من الله تعالى فعل حسن ولا فعل قبيح. قلنا : قد ذكرنا فى مسألة خلق الأفعال أن صدور الفعل عن القادر ، موقوف على المرجح ، وذلك المرجح هو الإرادة. والإرادة فى حق العبد محدثة ، فافتقرت الى الخالق والموجد ، فكان هذا المعنى لازما فى حق العبد ، بخلاف البارى تعالى ، فان ارادته قديمة أزلية ، فاستغنت عن المؤثر. فلم يلزم الجبر فى حقه.