وتلك الصفة علة للبرودة والرطوبة. فالكاسر لبرد الماء ورطوبته ، ليس هو حر النار ويبسها ، بل ناريتها ، والكاسر لحر النار ويبسها ، ليس هو برد الماء ورطوبته ، بل مائيته؟
وعلى هذا التقدير يزول السؤال لأنا نقول : النارية والمائية انما يتنافيان بواسطة ما بين أثريهما من التنافى. وحينئذ يعود الكلام الأول.
الفرقة الخامسة من المخالفين فى هذه المسألة : المعتزلة. أما «النظام» فقال : انه تعالى غير قادر على خلق القبيح. قال : لأن صدور هذه الأشياء عن الله تعالى محال. وكل محال فهو غير مقدور. وانما قلنا : انه محال. لأن صدور هذه الأشياء عن الله تعالى ، يستلزم الجهل ، أو الحاجة وكل واحد منهما محال. ومستلزم المحال محال. فصدور هذه الأشياء عن الله تعالى محال. وانما قلنا : ان المحال غير مقدور ، لأن المحال ما يمتنع وقوعه ، والمقدور هو الّذي يمكن وقوعه. والجمع بينهما محال.
والجواب على مذهبنا : ان خلق شيء من الأشياء لا يدل فى حق الله تعالى على الجهل ، ولا على الحاجة. فزال هذا السؤال.
وأما على مذهب «المعتزلة» فالجواب عن هذه الشبهة : ان معنى كون القبائح مقدورة لله تعالى : أنه لو صح تحقق الداعى الى فعل هذه القبائح فى حق الله تعالى ، كانت قادريته صالحة لايجادها. فالحاصل : أن فعل هذه القبائح وان كان ممتنعا لامتناع الداعى ، لكنه غير ممتنع بالنظر الى صلاحية القدرة.
وأما «الكعبى» فانه يقول : انه تعالى غير قادر على مثل مقدور العبد ، لأن فعل العبد اما طاعة أو معصية. وهما محالان على الله تعالى فثبت : أنه تعالى غير قادر على مثل فعل العبد.