والفرقة الثانية من المخالفين فى هذه المسألة : الثنوية الذين ينسبون الخير الى النور ، والشر الى الظلمة. واعلم : أن النور كيفية قائمة بالجسم. ونحن قد دللنا على أن الجسم محدث ، فكان القول بحدوث النور الّذي هو كيفية قائمة بالجسم أولى.
وقدماء المشايخ أبطلوا مذهبهم : بأن من قال أخطأت. فقائل هذا القول اما أن يكون هو النور ، أو الظلمة. فان كان هو النور ، فان كان صدقا ، فالنور قد فعل الشر ، وان كان كذبا ـ والكذب شر ـ فالنور قد فعل الشر ، وان كان قائل هذا القول هو الظلمة ، فان كان صدقا ـ والصدق خير ـ فالظلمة فعلت الخير ، وان كان كذبا ، فالظلمة ما فعلت الخطأ. وترك الخطأ خير ، فالظلمة فعلت الخير.
الفرقة الثالثة من المخالفين فى هذه المسألة : المنجمون الذين يقولون : المدبر فى هذا العالم السفلى هو الأفلاك والكواكب. والّذي يدل على بطلان قولهم : ان الأفلاك. اما أن تكون بسائط أو مركبة من أجزاء (٧) كل واحد منها بسيط فى نفسه. وكل بسيط فانه يحصل له جانبان بحيث يكون كل واحد منهما مساويا للآخر فى تمام الماهية. وكل ما كان كذلك ، فكل ما صح على أحد جانبيه صح على الآخر ـ بكل ما كان كذلك ـ فما كان ممسوس يمينه صح أن ينقلب ممسوس يساره ، وبالعكس. وكل ما كان كذلك ، فان التركيب والانحلال جائزان عليه. فاذن التركيب والانحلال جائزان على أجرام الفلك والكواكب. فيلزم من هذه النكتة : فساد أصول الفلاسفة ، اصحاب المجسطى فى أجرام الفلك. ويلزم القول بافتقارها فى ذواتها وصفاتها وأشكالها الى تقدير فاعل مختار.
__________________
(٧) أجرام : ب