الثانى : ان صفة الامكان صفة واحدة فى الممكنات ، وانها محوجة الى المؤثر. فاما أن يقال : الامكان يحوج الى مؤثر معين ، أو يحوج الى مؤثر غير معين. والثانى محال. لأن ما لا يكون معينا فى نفسه ، لا يكون موجودا ، وما لا يكون موجودا استحال احتياج غيره إليه فى الوجود. فاذن الامكان يحوج الى شيء معين.
وذلك المعين اما أن يكون من الممكنات ، واما أن لا يكون. لا جائز أن يكون من الممكنات والا لكان امكان ذلك الشيء ، يحوجه الى نفسه ، وحينئذ يكون موجدا لنفسه. وكل ما كان موجدا لنفسه ، كان واجبا لذاته ، فيكون الممكن لذاته واجبا لذاته. وهو محال. ولما بطل أن يكون ذلك الشيء من الممكنات ، ثبت : أنه واجب لذاته. فثبت : أن الامكان يحوج جميع الممكنات الى الموجود الواجب لذاته ، فيكون الواجب لذاته هو المبدأ لوجود جميع الممكنات. وهو المطلوب.
فان قيل : لم لا يجوز ان يكون الامكان علة للحاجة الى المؤثر ، من حيث انه مؤثر. والمؤثر من حيث هو مؤثر ، له ماهية واحدة ، بالنوع. وهى لا تمنع دخول أشياء كثيرة تحتها بالعدد.
والجواب : لما كان المؤثر من حيث انه مؤثر ، مفهوما واحدا ، مشتركا فيه بين ذوات الماهيات المختلفة ، يلزم أن تكون المؤثرية لاحقا من لواحق تلك الماهيات المختلفة. وكل ما كان كذلك ، كان مفتقرا الى المؤثر : ويعود التقسيم الأول فيه ، ولا ينقطع الافتقار والاستناد ، الا عند الانتهاء الى الذات. ويجب أن تكون تلك الذات معينة ـ كما بيناه ـ وحينئذ يحصل المطلوب.
الحجة الثالثة ـ هى مبنية على أصول الحكماء ـ : هى أن كل ما كان ممكنا لذاته ، فهو قابل للوجود والعدم ، فلو كان شيء من