نقول : هذه الصحة كانت ثابتة لكل واحدة من القدرتين عند الانفراد. فاذا بقيتا عند الاجتماع ، يلزم منه صحة الجمع بين الضدين. وهو محال وان زالتا أو زالت احداهما. فهو محال للوجوه التى ذكرناها. فعلم : أن القول بوجود الالهين يفضى الى هذا المحال. فكان القول به محالا.
قوله : «لو حصل فى الوجود إلهان ، لكان كل واحد منهما حكيما. وذلك يوجب توافقهما» قلنا : الفعل اما أن يتوقف على الداعى أو لا يتوقف. فان توقف لزم الجبر. واذا لزم الجبر لم تكن فاعلية الله تعالى موقوفة على رعاية المصالح ، فلم يلزم من خلو الفعل عن المصلحة ، أن لا يكون مراد الوقوع لله تعالى. فلم يلزم من كون المصلحة واحدة ، عدم المخالفة. وان لم يتوقف الفعل على الداعى ، لم يلزم من استواء الضدين فى المصلحة والمفسدة ، عدم الترجيح فى القصد والإرادة. فثبت : أن هذا السؤال لا يمنع من صحة المخالفة.
قوله : «الشيء الّذي هو معلوم الوقوع واحد. وذلك يمنع من الاختلاف فى الإرادة» قلنا : إرادة الوقوع متقدمة على الوقوع ، الّذي هو متقدم على العلم بالوقوع. فيمتنع أن يكون العلم بالوقوع سببا لارادة الوقوع ، والا لزم الدور.
قوله : «هذه الأقسام الثلاثة انما تتولد من حصول المخالفة لا من صحة المخالفة».
قلنا : هاهنا مقدمة يقينية. وهى أن كل ما كان ممكنا ، لا يلزم من فرض وقوعه محال ، فلو كانت المخالفة ممكنة ، لم يلزم من فرض وقوعها محال. لكنه قد لزم المحال من فرض وقوعها. وعند هذا نقول : لو فرضنا إلهين ، لكانت المخالفة بينهما. اما أن تكون ممكنة ، واما أن لا تكون ممكنة. والقسمان باطلان ، فبطل القول بوجود الالهين.